الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها حرمة الخروج من البيت لبعض المعتدات دون بعض ، وجملة الكلام في هذا الحكم أن المعتدة لا يخلو إما أن تكون معتدة من نكاح صحيح وإما أن تكون معتدة من نكاح فاسد ، ولا يخلو إما أن تكون حرة وإما أن تكون أمة بالغة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة مسلمة أو كتابية مطلقة أو متوفى عنها زوجها ، والحال حال الاختيار أو حال الاضطرار : فإن كانت معتدة من نكاح صحيح وهي حرة مطلقة بالغة عاقلة مسلمة والحال حال الاختيار فإنها لا تخرج ليلا ولا نهارا سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائنا أو رجعيا أما في الطلاق الرجعي فلقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قيل في تأويل قوله عز وجل { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها ، وقيل : الفاحشة هي الخروج نفسه أي إلا أن يخرجن فيكون خروجهن فاحشة ، نهى الله تعالى الأزواج عن الإخراج والمعتدات عن الخروج وقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } والأمر بالإسكان نهي عن الإخراج والخروج ولأنها زوجته بعد الطلاق الرجعي لقيام ملك النكاح من كل وجه فلا يباح لها الخروج كما قبل الطلاق إلا أن بعد الطلاق لا يباح لها الخروج وإن أذن لها بالخروج بخلاف ما قبل الطلاق .

                                                                                                                                لأن حرمة الخروج بعد الطلاق لمكان العدة وفي العدة حق الله تعالى فلا يملك إبطاله بخلاف ما قبل الطلاق ; لأن الحرمة ثمة لحق الزوج خاصة فيملك إبطال حق نفسه بالإذن بالخروج ، ولأن الزوج يحتاج إلى تحصين مائه والمنع من الخروج طريق التحصين للماء ; لأن الخروج يريب الزوج أنه وطئها غيره فيشتبه النسب إذا حبلت .

                                                                                                                                وأما في الطلاق الثلاث أو البائن فلعموم النهي ومساس الحاجة إلى تحصين الماء على ما بينا .

                                                                                                                                وأما المتوفى عنها زوجها فلا تخرج ليلا ولا بأس بأن تخرج نهارا في حوائجها ; لأنها تحتاج إلى الخروج بالنهار لاكتساب ما تنفقه ; لأنه لا نفقة لها من الزوج المتوفى بل نفقتها عليها فتحتاج إلى الخروج لتحصيل النفقة ، ولا تخرج بالليل لعدم الحاجة إلى الخروج بالليل بخلاف المطلقة فإن نفقتها على الزوج فلا تحتاج إلى الخروج حتى لو اختلعت بنفقة عدتها ، بعض مشايخنا قالوا ; يباح لها الخروج بالنهار للاكتساب ; لأنها بمعنى المتوفى عنها زوجها ، وبعضهم قالوا : لا يباح لها الخروج ; لأنها هي التي أبطلت النفقة باختيارها والنفقة حق لها فتقدر على إبطاله ، فأما لزوم البيت فحق عليها فلا تملك إبطاله ، وإذا خرجت بالنهار في حوائجها لا تبيت عن منزلها الذي تعتد فيه ، والأصل فيه ما روي { أن فريعة أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه لما قتل زوجها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في الانتقال إلى بني خدرة فقال لها : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } وفي رواية { لما استأذنت أذن لها ثم دعاها فقال : أعيدي المسألة فأعادت فقال : لا ، حتى يبلغ الكتاب أجله } أفادنا الحديث حكمين : إباحة الخروج بالنهار ، وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها ومنعها صلى الله عليه وسلم من الانتقال ، فدل على جواز الخروج بالنهار من غير انتقال ، وروى علقمة أن نسوة من همدان نعي إليهن أزواجهن فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن إنا نستوحش فأمرهن أن يجتمعن بالنهار فإذا كان الليل فلترح كل امرأة إلى بيتها وروي عن محمد أنه قال : لا بأس أن تنام عن بيتها أقل من نصف الليل ; لأن البيتوتة في العرف عبارة عن الكون في البيت أكثر الليل ، فما دونه لا يسمى بيتوتة في العرف ، ومنزلها الذي تؤمر بالسكون فيه للاعتداد هو الموضع الذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها وقبل موته سواء كان الزوج ساكنا فيه أو لم يكن ; لأن الله تعالى أضاف البيت إليها بقوله عز وجل { لا تخرجوهن من بيوتهن } والبيت المضاف إليها هو الذي تسكنه ، ولهذا قال أصحابنا إنها إذا زارت أهلها فطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها الذي كانت تسكن فيه فتعتد ثمة ; لأن ذلك هو الموضع الذي يضاف إليها وإن كانت هي في غيره ، وهذا في حالة الاختيار .

                                                                                                                                وأما في حالة الضرورة فإن اضطرت إلى الخروج من بيتها بأن خافت سقوط منزلها أو خافت على متاعها أو كان المنزل بأجرة ولا تجد ما تؤديه في أجرته في عدة الوفاة فلا بأس عند ذلك أن تنتقل ، وإن كانت تقدر على الأجرة لا تنتقل ، وإن كان المنزل لزوجها وقد مات عنها فلها أن تسكن في نصيبها إن كان [ ص: 206 ] نصيبها من ذلك ما تكتفي به في السكنى وتستتر عن سائر الورثة ممن ليس بمحرم لها ، وإن كان نصيبها لا يكفيها أو خافت على متاعها منهم فلا بأس أن تنتقل ، وإنما كان كذلك ; لأن السكنى وجبت بطريق العبادة حقا لله تعالى عليها ، والعبادات تسقط بالأعذار ، وقد روي أنه لما قتل عمر رضي الله عنه نقل علي رضي الله عنه أم كلثوم رضي الله عنها لأنها كانت في دار الإجارة ، وقد روي أن عائشة رضي الله عنها نقلت أختها أم كلثوم بنت أبي بكر رضي الله عنه لما قتل طلحة رضي الله عنه فدل ذلك على جواز الانتقال للعذر ، وإذا كانت تقدر على أجرة البيت في عدة الوفاة فلا عذر ، فلا تسقط عنها العبادة كالمتيمم إذا قدر على شراء الماء بأن وجد ثمنه وجب عليه الشراء وإن لم يقدر لا يجب لعذر العدم .

                                                                                                                                كذا ههنا ، وإذا انتقلت لعذر يكون سكناها في البيت الذي انتقلت إليه بمنزلة كونها في المنزل الذي انتقلت منه في حرمة الخروج عنه ; لأن الانتقال من الأول إليه كان لعذر فصار المنزل الذي انتقلت إليه كأنه منزلها من الأصل فلزمها المقام فيه حتى تنقضي العدة ، وكذا ليس للمعتدة من طلاق ثلاث أو بائن أن تخرج من منزلها الذي تعتد فيه إلى سفر إذا كانت معتدة من نكاح صحيح وهي على الصفات التي ذكرناها ، ولا يجوز للزوج أن يسافر بها أيضا لقوله تعالى و { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } وقوله عز وجل : " هن " كناية عن المعتدات ; ولأن الزوجية قد زالت بالثلاث والبائن فلا يجوز له المسافرة بها ، وكذا المعتدة من طلاق رجعي ليس لها أن تخرج إلى سفر سواء كان سفر حج فريضة أو غير ذلك ، لا مع زوجها ولا مع محرم غيره حتى تنقضي عدتها أو يراجعها لعموم قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } من غير فصل بين خروج وخروج ولما ذكرنا أن الزوجية قائمة ; لأن ملك النكاح قائم فلا يباح لها الخروج ; لأن العدة لما منعت أصل الخروج فلأن تمنع من خروج مديد وهو الخروج من السفر أولى ، وإنما استوى فيه سفر الحج وغيره وإن كان حج الإسلام فرضا ; لأن المقام في منزلها واجب لا يمكن تداركه بعد انقضاء العدة وسفر الحج واجب يمكن تداركه بعد انقضاء العدة ; لأن جميع العمر وقته فكان تقديم واجب لا يمكن تداركه بعد الفوت جمعا بين الواجبين فكان أولى ، وليس لزوجها أن يسافر بها عند أصحابنا الثلاثة .

                                                                                                                                وقال زفر : له ذلك ، واختلف مشايخنا في تخريج قول زفر ، قال بعضهم : إنما قال ذلك لأنه قد ثبت من أصل أصحابنا أن الطلاق الرجعي عدم في حق الحكم قبل انقضاء العدة فكان الحال قبل الرجعة وبعدها سواء .

                                                                                                                                وقال بعضهم : إنما قال ذلك ; لأن المسافرة بها رجعة عنده دلالة ، ووجهه أن إخراج المعتدة من بيت العدة حرام فلو لم يكن من قصده الرجعة لم يسافر بها ظاهرا تحرزا عن الحرام فيجعل المسافرة بها رجعة دلالة حملا لأمره على الصلاح صيانة له عن ارتكاب الحرام ، ولهذا جعلنا القبلة واللمس عن شهوة رجعة ، كذا هذا ولنا قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } نهى الأزواج عن الإخراج والنساء عن الخروج ، وبه تبين فساد التخريج الأول ; لأن نص الكتاب العزير يقتضي حرمة إخراج المعتدة وإن كان ملك النكاح قائما في الطلاق الرجعي فيترك القياس في مقابلة النص ، وإليه أشار أبو حنيفة فيما روي عنه أنه قال : لا يسافر بها ; ليس من قبل أنه غير زوج وهو زوج وهو بمنزلة المحرم لكن الله تعالى قال { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } وأما التخريج الثاني وهو قولهم : إن مسافرة الزوج بها دلالة الرجعة فممنوع وما ذكروا أن الظاهر أنه يريد الرجعة تحرزا عن الحرام فذلك فيما كان النهي في التحريم ظاهرا ، فأما فيما كان خفيا فلا ، وحرمة إخراج المعتدة عن طلاق رجعي مع قيام ملك النكاح من كل وجه مما لا يخفى عن الفقهاء فضلا عن العوام فلا يثبت الامتناع عنه من طريق الدلالة مع ما أن الخلاف ثابت فيما إذا كان الزوج يقول : إنه لا يراجعها نصا ، ولا معتبر بالدلالة مع التصريح بخلافها .

                                                                                                                                وإذا لم تكن المسافرة بها دلالة الرجعة فلو أخرجها لأخرجها مع قيام العدة وهذا حرام بالنص ، وقد قالوا فيمن خرجت محرمة فطلقها الزوج وبينها وبين مصرها أقل من ثلاثة أيام أنها ترجع وتصير بمنزلة المحصر ; لأنها صارت ممنوعة من المضي في حجها لمكان العدة ، فأما إذا راجعها الزوج فقد بطلت العدة وعادت الزوجية فجاز له السفر بها ، ويستوي الجواب في حرمة الخروج والإخراج إلى السفر وما دون ذلك لعموم النهي إلا أن النهي [ ص: 207 ] عن الخروج والإخراج إلى ما دون السفر أخف لخفة الخروج والإخراج في نفسه ، وإذا خرج مع امرأته مسافرا فطلقها في بعض الطريق أو مات عنها فإن كان بينها وبين مصرها الذي خرجت منه أقل من ثلاثة أيام وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا رجعت إلى مصرها ; لأنها لو مضت لاحتاجت إلى إنشاء سفر وهي معتدة ، ولو رجعت ما احتاجت إلى ذلك فكان الرجوع أولى كما إذا طلقت في المصر خارج بيتها أنها تعود إلى بيتها ، كذا هذا .

                                                                                                                                وإن كان بينها وبين مصرها ثلاثة أيام فصاعدا وبينها وبين مقصدها أقل من ثلاثة أيام فإنها تمضي ; لأنه ليس في المضي إنشاء سفر ، وفي الرجوع إنشاء سفر والمعتدة ممنوعة عن السفر ، وسواء كان الطلاق في موضع لا يصلح للإقامة كالمفازة ونحوها أو في موضع يصلح لها كالمصر ونحوها ، وإن كان بينهما وبين مصرها ثلاثة أيام ، وبينها وبين مقصدها ثلاثة أيام فصاعدا فإن كان الطلاق في المفازة أو في موضع لا يصلح للإقامة بأن خافت على نفسها أو متاعها فهي بالخيار إن شاءت مضت وإن شاءت رجعت ; لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر سواء كان معها محرم أو لم يكن ، وإذا عادت أو مضت فبلغت أدنى المواضع فهي بالخيار ، إن شاءت مضت وإن شاءت رجعت إلى التي تصلح للإقامة في مضيها أو رجوعها ، أقامت فيه واعتدت إن لم تجد محرما بلا خلاف ، وإن وجدت فكذلك عند أبي حنيفة ; لأنه لو وجد الطلاق فيه ابتداء لكان لا يجوز لها أن تتجاوزه عنده ، وإن وجدت محرما فكذا إذا وصلت إليه ، وإن كان الطلاق في المصر أو في موضع يصلح للإقامة اختلف فيه ، قال أبو حنيفة : تقيم فيه حتى تنقضي عدتها ولا تخرج بعد انقضاء عدتها إلا مع محرم ، حجا كان أو غيره .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف ومحمد : إن كان معها محرم مضت على سفرها ( وجه ) قولهما أن حرمة الخروج ليست لأجل العدة بل لمكان السفر بدليل أنه يباح لها الخروج إذا لم يكن بين مقصدها ومنزلها مسيرة ثلاثة أيام ، ومعلوم أن الحرمة الثابتة للعدة لا تختلف بالسفر وغير السفر ، وإذا كانت الحرمة لمكان السفر تسقط بوجود المحرم ، ولأبي حنيفة أن العدة مانعة من الخروج والسفر في الأصل إلا أن الخروج إلى ما دون السفر ههنا سقط اعتباره ; لأنه ليس بخروج مبتدإ بل هو خروج مبني على الخروج الأول فلا يكون له حكم نفسه ، بخلاف الخروج من بيت الزوج ; لأنه خروج مبتدأ فإذا كان من الجانبين جميعا مسيرة سفر كانت منشئة للخروج باعتبار السفر فيتناوله التحريم ، وما حرم لأجل العدة لا يسقط بوجود المحرم .

                                                                                                                                ( وأما ) المعتدة في النكاح الفاسد فلها أن تخرج ; لأن أحكام العدة مرتبة على أحكام النكاح بل هي أحكام النكاح السابق في الحقيقة بقيت بعد الطلاق والوفاة ، والنكاح الفاسد لا يفيد المنع من الخروج فكذا العدة إلا إذا منعها الزوج لتحصين مائه فله ذلك .

                                                                                                                                وأما الأمة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة على أصل أبي حنيفة فيخرجن في ذلك كله من الطلاق والوفاة : أما الأمة فلما ذكرنا أن حال العدة مبنية على حال النكاح ولا يلزمها المقام في منزل زوجها في حال النكاح كذا في حال العدة ; ولأن خدمتها حق المولى فلو منعناها من الخروج لأبطلنا حق المولى في الخدمة من غير رضاه ، وهذا لا يجوز إلا إذا بوأها مولاها منزلا فحينئذ لا تخرج ما دامت على ذلك ; لأنه رضي بسقوط حق نفسه ، وإن أراد المولى أن يخرجها فله ذلك ; لأن الخدمة للمولى وإنما كان أعارها للزوج ، وللمعير أن يسترد العارية ; ولما ذكرنا أن حال العدة معتبرة بحال النكاح مرتبة عليها ولو بوأها المولى في حال النكاح كان للزوج أن يمنعها من الخروج حتى يبدو للمولى فكذا في حال العدة ، وروى ابن سماعة عن محمد في الأمة إذا طلقها زوجها وكان المولى مستغنيا عن خدمتها فلها أن تخرج وإن لم يأمرها ; لأنه قال : إذا جاز لها أن تخرج بإذنه جاز لها أن تخرج بكل وجه .

                                                                                                                                ألا ترى أن حرمة الخروج لحق الله تعالى فلو لزمها لم يسقط بإذنه وكذلك المدبرة ; لما قلنا ، وكذلك أم الولد إذا طلقها زوجها أو مات عنها لأنها أمة المولى وكذا إذا عتقت أو مات عنها سيدها لها أن تخرج ; لأن عدتها عدة وطء فكانت كالمنكوحة نكاحا فاسدا .

                                                                                                                                وأما المكاتبة فلأن سعايتها حق المولى إذ بها يصل المولى إلى حقه فلو منعناها من الخروج لتعذرت عليها السعاية ، والمعتق بعضها بمنزلة المكاتبة عند أبي حنيفة وعندهما حرة ، ولو أعتقت الأمة في العدة يلزمها فيما بقي من عدتها ما يلزم الحرة ; لأن المانع من [ ص: 208 ] الخروج قد زال .

                                                                                                                                وأما الصغيرة فلها أن تخرج من منزلها إذا كانت الفرقة لا رجعة فيها ، سواء أذن الزوج لها أو لم يأذن ; لأن وجوب السكنى في البيت على المعتدة لحق الله تعالى وحق الزوج ، وحق الله عز وجل لا يجب على الصبي ، وحق الزوج في حفظ الولد ، ولا ولد منها ، وإن كانت الفرقة رجعية فلا يجوز لها الخروج بغير إذن الزوج ; لأنها زوجته وله أن يأذن لها بالخروج ، وكذا المجنونة لها أن تخرج من منزلها ; لأنها غير مخاطبة كالصغيرة إلا أن لزوجها أن يمنعها من الخروج لتحصين مائه بخلاف الصغيرة فإن الزوج لا يملك منعها ; لأن المنع في حق المجنونة لصيانة الماء لاحتمال الحبل ، والصغيرة لا تحبل والمنع من الطلاق الرجعي لكونها زوجته .

                                                                                                                                وأما الكتابية فلها أن تخرج ; لأن السكنى في العدة حق الله تعالى من وجه فتكون عبادة من هذا الوجه ، والكفار لا يخاطبون بشرائع هي عبادات إلا إذا منعها الزوج من الخروج لتحصين مائه ; لأن الخروج حق في العدة وهو صيانة مائه عن الاختلاط فإن أسلمت الكتابية في العدة لزمها فيما بقي من العدة ما يلزم المسلمة ; لأن المانع من اللزوم هو الكفر وقد زال بالإسلام ، وكذا المجوسية إذا أسلم زوجها وأبت الإسلام حتى وقعت الفرقة ووجبت العدة فإن كان الزوج قد دخل بها لها أن تخرج ; لما قلنا ، إلا إذا أراد الزوج منعها من الخروج لتحصين مائه ، فإذا طلب منها ذلك يلزمها ; لأن حق الإنسان يجب إبقاؤه عند طلبه ، ولو قبلت المسلمة ابن زوجها حتى وقعت الفرقة ووجبت العدة إذا كان بعد الدخول فليس لها أن تخرج من منزلها ; لأن السكنى في العدة فيها حق الله تعالى ، وهي مخاطبة بحقوق الله عز وجل وأما بعد انقضاء العدة فلها أن تخرج إلى ما دون مسيرة سفر بلا محرم ; لأنها تحتاج إلى ذلك فلو شرط له المحرم لضاق الأمر عليها ، وهذا لا يجوز ، ولا يجوز لها أن تخرج إلى مسيرة سفر إلا مع المحرم والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام إلا ومعها زوجها أو ذو رحم محرم منها } وسواء كان المحرم من النسب أو الرضاع أو المصاهرة ; لأن النص وإن ورد في ذي الرحم المحرم فالمقصود هو المحرمية وهو حرمة المناكحة بينهما على التأبيد وقد وجد فكان النص الوارد في ذي الرحم المحرم وارد في المحرم بلا رحم دلالة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية