الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران ) لأنه دم نسك فيجوز الأكل منها بمنزلة الأضحية ، وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من لحم هديه وحسا من المرقة } ويستحب له أن يأكل منها لما روينا ، وكذلك يستحب أن يتصدق على الوجه الذي عرف في الضحايا ( ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا ) لأنها [ ص: 162 ] دماء كفارات ، وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحصر بالحديبية وبعث الهدايا على يدي ناجية الأسلمي قال له : لا تأكل أنت ورفقتك منها شيئا }

التالي السابق


وقوله ( ولأنه ) يعني الجماع ( أعلى أنواع الارتفاقات ) ( قوله وقد صح ) تقدم في حديث جابر الطويل { أنه عليه الصلاة والسلام أكل من الكل ، فإنه قال فيه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت } الحديث ، فارجع إليه ، ومعلوم أنه كان قارنا ، وكذا أزواجه على ما رجحه بعضهم ، وهدي القران لا يستغرق مائة بدنة ، فعلم أنه أكل من هدي القران والتطوع إلا أنه إنما أكل من هدي التطوع بعدما صار إلى الحرم ، أما إذا لم يبلغ بأن عطب أو ذبحه في الطريق فلا يجوز له الأكل منه لأنه في الحرم تتم القربة فيه بالإراقة ، وفي غير الحرم لا يحصل به بل بالتصدق فلا بد من التصدق ليحصل المقصود ، ولو أكل منه أو من غيره مما لا يحل له الأكل منه ضمن ما أكله ، وبه قال الشافعي وأحمد ، وقال مالك : لو أكل لقمة ضمنه كله وليس له بيع شيء من لحوم الهدايا وإن كان مما يجوز له الأكل منه ، فإن باع شيئا أو أعطى الجزار أجره منه فعليه أن يتصدق بقيمته ، وحيثما جاز الأكل للمهدي جاز أن يأكل الأغنياء أيضا .

( قوله وكذلك يستحب أن يتصدق على الوجه الذي عرف في الضحايا ) وهو أن يتصدق بثلثها ويهدي ثلثها وكل دم يجوز له الأكل منه لا يجب عليه [ ص: 162 ] التصدق بعد الذبح لتمام القربة به . وجملة الكلام فيه أن الدماء نوعان : ما يجوز لصاحبه الأكل منه وهو دم المتعة والقران والأضحية وهدي التطوع إذا بلغ محله ، وما لا يجوز وهو دم النذر والكفارات والإحصار ، وكل دم يجوز له الأكل منه لا يجب عليه التصدق به بعد الذبح ، لأنه لو وجب لبطل حق الفقراء بالأكل ، وكل دم لا يجوز له أن يأكل منه يجب عليه التصدق به بعد الذبح ، ولو هلك بعد الذبح لا ضمان عليه في النوعين لأنه لا صنع له في الهلاك ، وإن استهلكه بعد الذبح ، فإن كان مما يجب عليه التصدق به يضمن قيمته للفقراء لتعديه على حقهم ، وإن كان مما لا يجب لا يضمن شيئا لأنه لم يتعد .

ولو باع اللحم يجوز له بيعه في النوعين لقيام ملكه إلا أن ما لا يجوز له أكله عليه التصدق بثمنه كذا في البدائع ( قوله وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ) روى أصحاب السنن الأربعة عن ناجية الخزاعي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي وقال له : إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس } قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وليس فيه { لا تأكل أنت ولا رفقتك } وقد أسند الواقدي في أول غزوة الحديبية القصة بطولها ، وفيها { أنه عليه الصلاة والسلام استعمل على هديه ناجية بن جندب الأسلمي وأمره أن يتقدمه بها ، قال : وكانت سبعين بدنة ، فذكره إلى أن قال : وقال ناجية بن جندب : عطب معي بعير من الهدي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء فأخبرته ، فقال : انحرها واصبغ قلائدها في دمها ولا تأكل أنت ولا أحد من رفقتك منها شيئا وخل بينها وبين الناس }

وأخرج مسلم وابن ماجه عن قتادة عن سنان بن مسلم عن ابن عباس أن ذؤيبا الخزاعي أبا قبيصة حدثه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالبدن معه ثم يقول : إن عطب منها شيء فخشيت عليه موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك } وأعل بأن قتادة لم يدرك سنانا .

والحديث معنعن في مسلم وابن ماجه ، إلا أن مسلما ذكر له شواهد ولم يسم ذؤيبا بل قال إن رجلا ، وإنما نهى ناجية ومن ذكر عن الأكل لأنهم كانوا أغنياء . قال شارح الكنز : لا دلالة لحديث ناجية على المدعي لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك فيما عطب منها في الطريق ، والكلام فيما إذا بلغ الحرم هل يجوز له الأكل منه أو لا ا هـ .

وقد أوجدنا في هدي التطوع إذا ذبح في الطريق امتناع أكله منه وجوازه بل استحبابه إذا بلغ محله . والمعنى الذي ذكره المصنف في أنها دماء كفارات يستقل بالمطلوب




الخدمات العلمية