الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          824 حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا عبد الله بن إدريس عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من نهى عنها معاوية هذا حديث حسن صحيح قال وفي الباب عن علي وعثمان وجابر وسعد وأسماء بنت أبي بكر وابن عمر قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن وقد اختار قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم التمتع بالعمرة والتمتع أن يدخل الرجل بعمرة في أشهر الحج ثم يقيم حتى يحج فهو متمتع وعليه دم ما استيسر من الهدي فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ويستحب للمتمتع إذا صام ثلاثة أيام في الحج أن يصوم العشر ويكون آخرها يوم عرفة فإن لم يصم في العشر صام أيام التشريق في قول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وعائشة وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعضهم لا يصوم أيام التشريق وهو قول أهل الكوفة قال أبو عيسى وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة في الحج وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان إلخ ) يعارضه ما في صحيح مسلم ، قال عبد الله بن شقيق : كان عثمان ينهى عن المتعة وكان علي يأمر بها وقد تقدم نهي عمر -رضي الله عنه- فيمكن أن يجاب : إن نهيهما محمول على التنزيه . ونهي معاوية -رضي الله تعالى عنه- على التحريم فأوليته باعتبار التحريم ، قال النووي -رحمه الله- : وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم ، انتهى . ويمكن الجمع بين فعلهما ونهيهما بأن الفعل كان متأخرا لما علما جواز ذلك ويحتمل أن يكون لبيان الجواب ، كذا في شرح أبي الطيب .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وعثمان ) أخرج مسلم وأحمد عن عبد الله بن شقيق : أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهى عنها فقال عثمان كلمة فقال علي : لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال عثمان : أجل ولكنا كنا خائفين ( وجابر ) أخرجه مسلم ( وسعد ) بن أبي وقاص أخرجه أحمد ومسلم عن غنيم بن قيس المازني قال : سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال : فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش : يعني بيوت مكة يعني معاوية ، انتهى .

                                                                                                          ( وأسماء ابنة أبي بكر وابن عمر ) أخرجه الشيخان وفي الباب أيضا عن عائشة أخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن ) وأخرجه أحمد أيضا .

                                                                                                          [ ص: 471 ] قوله : ( فمن لم يجد ) أي الهدي ، ويتحقق ذلك بأن يعدم الهدي ، أو يعدم ثمنه حينئذ ، أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك ، أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه ، أو يمتنع من بيعه إلا بغلائه ، فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن فصيام ثلاثة أيام في الحج أي بعد الإحرام به . وقال النووي : هذا هو الأفضل فإن صامها قبل الإهلال بالحج أجزأه على الصحيح ، وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح ، قاله مالك وجوزه الثوري وأصحاب الرأي وعلى الأول : فمن استحب صيام عرفة بعرفة قال : يحرم يوم السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وإلا فيحرم يوم السادس ليفطر بعرفة ( وسبعة إذا رجع إلى أهله ) أشار إلى أن المراد بقوله تعالى : إذا رجعتم الرجوع إلى الأمصار وبذلك فسر ابن عباس -رضي الله عنه- كما في صحيح البخاري . ووقع في حديث ابن عمر المرفوع : " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " . أخرجه البخاري في باب : من ساق البدن معه ، وهذا هو قول الجمهور .

                                                                                                          وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج . ومعنى الرجوع التوجه من مكة ، فيصومها في الطريق إن شاء ، وبه قال إسحاق ابن راهويه . قاله الحافظ ( منهم ابن عمر وعائشة ، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ) قال الحافظ في الفتح : روي عن ابن عمر وعائشة موقوفا : " إن أخرها يوم عرفة فإن لم يفعل صام أيام منى " أي الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وهي أيام التشريق . وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي في القديم ، ثم رجع عنه وأخذ بعموم النهي عن صيام أيام التشريق ، انتهى . ( وقال بعضهم لا يصوم أيام التشريق وهو قول أهل الكوفة ) وهو قول الحنفية وحجتهم حديث نبيشة [ ص: 472 ] الهذلي عند مسلم مرفوعا : أيام التشريق أيام أكل وشرب .

                                                                                                          وله من حديث كعب بن مالك : أيام منى أيام أكل وشرب . ومنها حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق : إنها الأيام التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صومهن وأمر بفطرهن . أخرجه أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم وحجة من قال : إنه يجوز للمتمتع أن يصوم أيام التشريق ما رواه البخاري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر قال : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ، قال الحافظ في الفتح : كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة بضم أوله على البناء لغير معين ، ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني واللفظ له ، والطحاوي : رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتمتع إذا لم يجد الهدي ، أن يصوم أيام التشريق . وقال : إن يحيى بن سلام ليس بالقوي ، ولم يذكر طريق عائشة وأخرجه من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة . وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع ، بقي الأمر على الاحتمال .

                                                                                                          وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي : أمرنا بكذا ونهينا عن كذا ، هل له حكم الرفع؟ على أقوال ثالثها : إن أضافه إلى عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فله حكم الرفع وإلا فلا . واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به رخص لنا في كذا وعزم علينا أن لا نفعل كذا . كل في الحكم سواء فمن يقول : إن له حكم الرفع . فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام أنه روى بالمعنى ، لكن قال الطحاوي : إن قول ابن عمر وعائشة " لم يرخص " ، أخذاه من عموم قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ؛ لأن قوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده ، فيدخل أيام التشريق . فعلى هذا فليس بمرفوع ، بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهما من عموم الآية . وقد ثبت نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن صوم أيام التشريق ، وهو عام في حق المتمتع وغيره ، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن ، وعموم الحديث المشعر بالنهي . وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا ، فكيف وفي كونه مرفوعا نظر . فعلى هذا يترجح القول بالجواز ، وإلى هذا جنح البخاري كذا في فتح الباري .

                                                                                                          [ ص: 473 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية