الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) ( 3 ) .

قوله تعالى : ( الميتة ) : أصلها الميتة . ( والدم ) : أصله دمى .

( وما أهل لغير الله به ) : قد ذكر ذلك كله في البقرة .

[ ص: 315 ] ( والنطيحة ) : بمعنى المنطوحة . ودخلت فيها الهاء ؛ لأنها لم تذكر الموصوفة معها ، فصارت كالاسم ، فإن قلت : شاة نطيح ، لم تدخل الهاء .

( وما أكل السبع ) : " ما " بمعنى الذي ، وموضعه رفع عطفا على الميتة ، والأكثر ضم الباء من السبع ، وتسكينها لغة ، وقد قرئ به .

( إلا ما ذكيتم ) : في موضع نصب استثاء من الموجب قبله ، والاستثناء راجع إلى المتردية والنطيحة وأكيلة السبع .

( وما ذبح ) : مثل : " وما أكل السبع " .

( على النصب ) : فيه وجهان : أحدهما : هو متعلق بذبح تعلق المفعول بالفعل ؛ أي : ذبح على الحجارة التي تسمى نصبا ؛ أي : ذبحت في ذلك الموضع . والثاني : أن النصب الأصنام ؛ فعلى هذا " في " على وجهان : أحدهما : هي بمعنى اللام ؛ أي : لأجل الأصنام فتكون مفعولا له . والثاني : أنها على أصلها وموضعه حال ؛ أي : وما ذبح مسمى على الأصنام . وقيل : نصب بضمتين ، ونصب بضم النون ، وإسكان الصاد ، ونصب بفتح النون ، وإسكان الصاد ، وهو مصدر ، بمعنى المفعول .

وقيل : يجوز فتح النون والصاد أيضا ، وهو اسم بمعنى المنصوب ، كالقبض والنقض ، بمعنى المقبوض والمنقوض . ( وأن تستقسموا ) : في موضع رفع عطفا على الميتة ، و ( الأزلام ) : جمع زلم ، وهو القدح الذي كانوا يضربون به على أيسار الجزور . ( ذلكم فسق ) : مبتدأ وخبر ، ولكم إشارة إلى جميع المحرمات في الآية ، ويجوز أن يرجع إلى الاستقسام . ( اليوم ) : ظرف لـ " يئس " و ( اليوم ) : الثاني ظرف لـ " أكملت " و ( عليكم ) : يتعلق بأتممت ، ولا يتعلق بـ : نعمتي ، فإن شئت جعلته على التبيين ؛ أي : أتممت ؛ أعني عليكم . و ( رضيت ) : يتعدى إلى مفعول واحد ، وهو هنا " الإسلام " و ( دينا ) : حال . وقيل : يتعدى إلى مفعولين ؛ لأن معنى رضيت هنا جعلت وصيرت ، ولكم : يتعلق برضيت ، وهي للتخصيص ، ويجوز أن يكون حالا من الإسلام ؛ أي : رضيت الإسلام لكم . ( فمن اضطر ) : شرط في موضع رفع بالابتداء ، و ( غير ) : حال . [ ص: 316 ] والجمهور على " متجانف " بالألف والتخفيف . وقرئ : " متجنف " بالتشديد من غير ألف ، يقال تجانف وتجنف . ( لإثم ) : متعلق بمتجانف . وقيل : اللام بمعنى إلى ؛ أي : مائل إلى إثم ( فإن الله غفور رحيم ) : أي له ، فحذف العائد على المبتدأ .

قال تعالى : ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) ( 4 ) .

قوله تعالى : ( ماذا أحل لهم ) : قد ذكر في البقرة .

( وما علمتم ) : " ما " بمعنى الذي ، والتقدير : صيد ما علمتم ، أو تعليم ما علمتم . و ( من الجوارح ) : حال من الهاء المحذوفة ، أو من ما ، والجوارح جمع جارحة ، والهاء فيها للمبالغة ، وهي صفة غالبة ؛ إذ لا يكاد يذكر معها الموصوف . ( مكلبين ) : يقرأ بالتشديد والتخفيف ، يقال كلبت الكلب وأكلبته فكلب ؛ أي : أغريته على الصيد ، وأسدته فاستأسد ، وهو حال من الضمير في علمتم . ( تعلمونهن ) : فيه وجهان : أحدهما : هو مستأنف لا موضع له . والثاني : هو حال من الضمير في مكلبين ، ولا يجوز أن يكون حالا ثانية ؛ لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين ، ولا يحسن أن يجعل حالا من الجوارح ؛ لأنك قد فصلت بينهما بحال لغير الجوارح . ( مما ) : أي مما " علمكم الله " .

التالي السابق


الخدمات العلمية