الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1449 - مسألة : ومن ابتاع عبدا أو أمة لهما مال فمالهما للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون له ، ولا حصة له من الثمن - كثر أو قل - ولا له حكم البيع أصلا .

                                                                                                                                                                                          فإن كان في مال العبد أو الأمة : ذهب كثير أو قليل ، وقد ابتاع الأمة أو العبد بذهب أقل من ذلك الذهب أو مثله أو أكثر : نقدا أو حالا في الذمة ، أو إلى أجل - : جاز كل ذلك - وكذلك إن كان فيه فضة ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          فإن اطلع على عيب في العبد أو الأمة : رده أو ردها والمال له لا يرده معه . [ ص: 335 ]

                                                                                                                                                                                          فإن وجد بالمال عيبا : لا يرد العبد من أجل ذلك ، ولا الأمة .

                                                                                                                                                                                          فإن باع نصف عبده أو نصف أمته أو جزءا مسمى مشاعا فيهما منهما : جاز ذلك ، ولا يجوز هنا اشتراط المال أصلا .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو باع نصيبه من عبد بينه وبين آخر ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          فلو باع اثنان عبدا بينهما : جاز للمشتري اشتراط المال ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر ذلك بلفظ الاشتراط كما قدمنا والاشتراط غير البيع فليس له حكم البيع ، ولم يخص عليه السلام معلوما من مجهول ولا مقدارا من مقدار ، ولا مالا من مال : فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك وقد ملك المال بالشرط الصحيح ، وليس مما دخل في صفقة الرد فليس عليه رده بعيب فيه ولا بعيب في المبيع .

                                                                                                                                                                                          ومن باع نصف عبد مشاع أو نصف عبده فلم يشتر المشتري عبدا وإنما جعل عليه السلام اشتراط المال لمن اشترى عبدا وإذا اشترى عبدا من اثنين فقد ابتاع عبدا فله اشتراط المال .

                                                                                                                                                                                          وهذا كله قول أصحابنا ، وقال مالك كقولنا في اشتراط الذهب ، والفضة ، والمجهول ، والكثير ، والقليل .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يجوز ذلك إلا بحكم البيوع - وهذا خلاف للحديث مجرد ، فردوا ما أباح الله تعالى من الشروط ، وأجازوا ما أبطل الله تعالى منها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه قال : من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور أنا أبو الأحوص أنا أشعث بن أبي الشعثاء قال : باع رجل غلامه ولم يشترط واحد منهما ماله ، فوجد للغلام مال فقضى به شريح للبائع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم أنا يونس ، ومغيرة ، وأبو إسحاق الشيباني ، وبعض أصحابنا عن الشعبي عن شريح ، قال يونس : عن الحسن ، وقال مغيرة : عن إبراهيم ، وقال الشيباني : عن الشعبي عن شريح ، وقال بعض أصحابنا : عن الشعبي ، ثم اتفقوا كلهم : الحسن ، والنخعي ، وشريح ، والشعبي : على أن من باع عبدا وله مال [ ص: 336 ] فماله للمشتري ، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وبالله تعالى التوفيق . 1450 - .

                                                                                                                                                                                          مسألة : وللمبتاع أن يشترط شيئا مسمى بعينه من مال العبد أو الأمة ، وله أن يشترط ثلثا أو ربعا ، أو نحو ذلك - ومنع من ذلك : مالك ، وأبو سليمان ، وقالا : لا يجوز أن يشترط إلا الجميع أو يدع .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا خطأ ; لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل فماله للبائع إلا أن يشترط كله المبتاع - وبعض المال مال - فهو داخل في نص مقتضى لفظه عليه السلام - وبالله تعالى التوفيق . 1451 - .

                                                                                                                                                                                          مسألة : فإن قيل : إنما جاء النص في العبد فمن أين قلتم بذلك في الأمة ؟ قلنا : لفظة " العبد " تقع في اللغة العربية على جنس العبيد والإماء لأن العرب تقول عبد وعبدة ، و " العبد " اسم جنس كما تقول : الإنسان والفرس والحمار - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وإن أحق الناس بأن يعكس عليه هذا الاعتراض ، ويلزم هذا السؤال من فرق بين العبد ، والأمة في الحكم فرأى الزنى في الأمة عيبا يجب به الرد ، ولم يره في العبد الذكر عيبا يجب به الرد من الحنفيين .

                                                                                                                                                                                          ومن رأى أن للرجل أن يجبر أمته على النكاح ولا يجبر العبد الذكر على النكاح من المالكيين ، فإن كانت الأمة في استثناء مالها في البيع إنما وجب قياسا على العبد ، فليقيسوها عليه في الرد بالعيب ، وفي الإكراه في النكاح ، وإلا فقد تحكموا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية