الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

742 - عن أبي هريرة رضى الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من جاء مسجدي هذا لم يأت إلا لخير يتعلمه أو يعلمه ، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاء لغير ذلك ; فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره ) ، رواه ابن ماجه ، والبيهقي في [ شعب الإيمان ]

التالي السابق


الفصل الثالث

742 - ( عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من جاء مسجدي هذا ) ، أي : المسجد النبوي في المدينة المعطرة ( لم يأت ) ، أي : حال كونه غير آت ( إلا لخير ) ، أي : علم أو عمل ( يتعلمه أو يعلمه ) : أو للتنويع ، وفيه دلالة ظاهرة على جواز التدريس في المسجد خلافا لما تقدم عن الإمام مالك ، ولعله منع رفع الصوت المشوش ( فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ) : من حيث أن كلا منهما يريد إعلاء كلمة الله العليا ، أو لأن العلم والجهاد كل واحد منهما قد يكون فرض عين ، وقد يكون فرض كفاية ، أو لأن كلا منهما عبادة نفعها متعد إلى عموم المسلمين . ( ومن جاء لغير ذلك ) ، أي : لغير ما ذكر من الخير ، وهو العلم والعمل الذي يشمل الصلاة والاعتكاف والزيارة ، قال الطيبي : يوهم أن الصلاة داخلة في الغير وليس كذلك ; لأن الصلاة مفروغ عنها وأنها مستثناة من أصل الكلام . ( فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره ) ، أي : فهو متحسر محروم عما ينتفع به الناس في الدنيا من العلم والعمل والثناء الجميل ، وفي العقبى من الدرجات والجزاء الجزيل ، قال الطيبي : شبه حالة من أتى المسجد لغير الصلاة والتعليم ، بحالة من ينظر إلى متاع الغير بغير إذنه ، ومع ذلك لم يقصد تملكه بوجه شرعي فإن ذلك محظور ، وكذلك إتيان المسجد لغير ما بني محظور ، ولاسيما مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اهـ .

لكن كون النظر المجرد إلى متاع الغير محظورا محل نظر ، ثم رأيت ابن حجر تعقبه بقوله : إن المحظور المحرم ولا حرمة هنا ، بل يجوز النظر لمتاع الغير ، وإن لم يقصد تملكه ما لم يكن بإشراف ، من كوة ونحوها ، ولما نقل النووي قول الإحياء : لو سقف المسجد ، بحرام حرم الجلوس تحته ، لأنه انتفاع بالحرام ، قال : فيه نظر ، والمختار أنه لا يحرم القعود ، وهو من باب الانتفاع بضوء سراج غيره ، والنظر في مرآته إذا لم يستول عليهما ، وهما جائزان بلا خلاف ، وقوله : وكذلك إلخ ، ممنوع أيضا فإن من جملة ما لم يبن له دخوله لنحو المرور والنوم به ، ولا حظر في ذلك اهـ .

والمراد بالحظر الحرمة ، وإلا فالمرور مكروه من غير ضرورة بلا خلاف ، والنوم فيه تفصيل كما سبق ، لكنه مكروه لا محرم بالإجماع ، ( رواه ابن ماجه ، والبيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية