الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          826 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أنه أهل فانطلق يهل فيقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال وكان عبد الله بن عمر يقول هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزيد من عنده في أثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل قال هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أهل فانطلق يهل يقول لبيك ) قال أبو الطيب السندي أي أراد أن يهل فانطلق يهل ، أي فشرع يهل أي ذهب حال كونه يهل ، وقوله يقول لبيك بيان ليهل ، انتهى . والمراد من الإهلال رفع الصوت ( قال وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه ) القائل هو نافع ( في أثر تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم ) أي في عقبها وبعد الفراغ منها ، قال في القاموس : خرج في إثره وأثره بعده ( وسعديك ) قال القاضي : إعرابها وتثنيتها كما في لبيك ومعناه مساعدة لطاعتك بعد مساعدة ( والخير في يديك ) أي الخير كله بيد الله تعالى ومن فضله ( والرغباء إليك ) قال القاضي قال المازري : يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر ونظيره العلياء والعليا ، ومعناه هاهنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير ( والعمل ) عطف على الرغباء ، قال الطيبي : وكذلك العمل منته إليك ، إذ هو المقصود منه ، انتهى . قال القاري والأظهر أن التقدير والعمل لك أي لوجهك ورضاك أو العمل بك أي بأمرك وتوفيقك أو المعنى أمر العمل راجع إليك في الرد والقبول ، انتهى . قلت : الأظهر عندي هو ما قال الطيبي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن مسعود ) أخرجه النسائي ( وجابر ) أخرجه أبو داود وابن ماجه ( وعائشة ) أخرجه البخاري ( وابن عباس ) أخرجه أبو داود ( وأبي هريرة ) أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي .

                                                                                                          [ ص: 475 ] قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( والعمل عليه عند أهل العلم إلخ ) قال الطحاوي بعد أن أخرج حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معديكرب : أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية ، غير أن قوما قالوا لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي وخالفهم آخرون فقالوا : لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس ، كما في حديثمعديكرب ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم ، مما هو من جنس هذا ، بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة ، فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه ، ثم أخرج حديث عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه : أنه سمع رجلا يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج ، وما هكذا نلبي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية ، وبه نأخذ ، انتهى .

                                                                                                          قال القاري في المرقاة : قال في البحر وهذا اختيار الطحاوي ، ولعل مراده من الكراهة أن يزيد الرجل من عند نفسه على التلبية المأثورة بقرينة ذكره قبل هذا القول ، ولا بأس للرجل أن يزيد فيها من ذكر الله تعالى ما أحب وهو قول محمد أو أراد الزيادة في خلال التلبية المسنونة ، فإن أصحابنا قالوا : إن زاد عليها فهو مستحب . قال صاحب السراج الوهاج ، هذا بعد الإتيان بها ، أما في خلالها فلا ، انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو -صلى الله عليه وسلم- عليها ، وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يرد عليهم وأقرهم عليها وهو قول الجمهور . وبه صرح أشهب وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة ، قال وهو أحد قولي الشافعي .

                                                                                                          وقاله الشيخ أبو حامد : حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع وغلطوا ، بل لا يكره ولا يستحب ، وحكى الترمذي عن الشافعي قال : فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس وأحب إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه ثم زاد من قبله زيادة ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 476 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية