الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 389 ] الركن الرابع : العوض هو كالصداق ، فيجوز قليلا وكثيرا ، عينا ودينا ، ويشترط أن يكون معلوما متمولا مع سائر شروط الأعواض ، كالقدرة على التسليم واستقرار الملك وغيرهما ، وتفصيله بصور .

                                                                                                                                                                        إحداها : لو خالع على مجهول كثوب غير معين ، حصلت البينونة ورجع إلى مهر المثل ، ومن المجهول حمل البهيمة والجارية ، سواء قال : خالعتك بما في بطنها أو على حملها .

                                                                                                                                                                        ولو خالع بألف إلى أجل مجهول ، أو خالع بشرط فاسد كشرط أن لا ينفق عليها وهي حامل ، أو لا سكنى لها ، أو لا عدة عليها ، أو أن يطلق ضرتها ، بانت بمهر المثل .

                                                                                                                                                                        وحكى المتولي وجها ، أنه لا تحصل الفرقة في صورة الجهل وسائر صور فساد العوض ، وكذا لو خالع ولم يذكر عوضا بناء على أن الخلع فسخ ، والمذهب الأول .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        خالعها على ما في كفها ولم يعلمه ، أو علمه ولم نصحح بيع الغائب ، بانت بمهر المثل ، وإن علم وصححناه ، بانت بالمسمى . فإن لم يكن في كفها شيء ، ففي " الوسيط " أنه يقع الطلاق رجعيا ، والذي نقله غيره وقوعه بائنا بمهر المثل ، ويشبه أن يكون الأول فيما إذا كان عالما بالحال ، والثاني فيما إذا ظن في كفها شيئا .

                                                                                                                                                                        قلت : المعروف الذي أطلقه الجمهور ، كأصحاب " الشامل " و " التتمة " و " المستظهري " و " البيان " وغيرهم ، وقوعه بائنا بمهر المثل ، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 390 ] الصورة الثانية : خالعها على ما ليس بمال كخمر أو حر ، بانت . وهل يرجع عليها بمهر المثل ، أم ببدل المذكور ؟ قولان . أظهرهما : الأول .

                                                                                                                                                                        ولو خالع على مغصوب ، فكذلك ، ويفرق بين أن يقول : خالعتك على هذا العبد فبان حرا ، وبين قوله : خالعتك على هذا الحر في أصح الطريقين ، كما سبق في الصداق حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية ، لفساد الصيغة ، وكذا يفرق بين قوله : خالعتك على هذا العبد فبان مستحقا ، وبين قوله : خالعتك على هذا المغصوب حتى يقطع بمهر المثل في الصورة الثانية . وعن القاضي حسين وجه فيما إذا خالع على خمر أو مغصوب : وقع الطلاق رجعيا ؛ لأن المذكور ليس بمال ، فلا يظهر طمعه في شيء ، والصحيح الأول ، وبه قطع الأصحاب .

                                                                                                                                                                        ولو خالع على دم ، وقع الطلاق رجعيا ، وعللوه بأنه لا يقصد بحال ، فكأنه لم يطمع في شيء .

                                                                                                                                                                        والخلع على الميتة ، كالخمر لا كالدم ؛ لأنها قد تقصد للضرورة وللجوارح .

                                                                                                                                                                        الصورة الثالثة : الخلع على ما لا يقدر على تسليمه ، وما لا يتم ملكه عليه ، كالخلع على خمر في جريان القولين فيما يرجع به من مهر المثل والبدل .

                                                                                                                                                                        ولو خالع على عين فتلفت قبل القبض ، أو خرجت مستحقة ، أو معيبة فردها أو فاتت منها صفة مشروطة فردها ، ففيم يرجع به القولان .

                                                                                                                                                                        ولو خالعها على ثوب في الذمة ووصفه كما ينبغي ، فأعطته ثوبا بالصفة فبان معيبا ، فله رده ويطالب بمثله سليما كما في السلم .

                                                                                                                                                                        وإن قال : إن أعطيتني ثوبا بصفة كذا فأنت طالق ، فأعطته ثوبا بتلك الصفة ، طلقت . فإن خرج معيبا فرده ، عاد القولان في أنه يرجع بمهر المثل أم بقيمة ذلك الثوب سليما ؟ .

                                                                                                                                                                        [ ص: 391 ] الرابعة : التوكيل بالخلع من الجانبين جائز . فأما وكيل الزوج ، فإن قدر له مالا بأن قال : خالعها بمائة ، فينبغي أن يخالع بالمائة فأكثر ، ولا ينقص . فإن خالع بمائة وثوب ، فهو كما لو قال : بع عبدي بمائة فباعه بمائة وثوب وقد سبق .

                                                                                                                                                                        وإن أطلق التوكيل في الخلع ، فينبغي أن يخالع بمهر المثل وأكثر ، ولا ينقص .

                                                                                                                                                                        وصورة إطلاق التوكيل أن يقول : وكلتك في خلع زوجتي ، أو خالعها ولا يذكر مالا ، ويكفي هذا في التصوير إن قلنا : إن مطلق الخلع يقتضي مالا ، وإن قلنا : لا يقتضيه ، اشترط أن يقول : خالعها بمال .

                                                                                                                                                                        فإن نقص الوكيل عن المائة في صورة التقدير ، فالنص لا يقع الطلاق ، وإن نقص عن مهر المثل في صورة الإطلاق ، فالنص وقوعه .

                                                                                                                                                                        وللأصحاب فيه طرق ، مجموعها خمسة أقوال . أظهرها : يقع الطلاق في صورة الإطلاق بمهر المثل ، ولا خيار للزوج ، ولا يقع في صورة التقدير عملا بالنصين ، لتصريح المخالفة في صورة التقدير .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يقع فيهما كالمخالفة في البيع .

                                                                                                                                                                        والثالث : يتحتم وقوع الطلاق بائنا فيهما ، ويتخير الزوج بين المسمى ومهر المثل .

                                                                                                                                                                        والرابع : يتخير بين المسمى وبين ترك العوض ، وجعل الطلاق رجعيا .

                                                                                                                                                                        والخامس : إن رضي بالمسمى ، فذاك ، وإلا فلا طلاق .

                                                                                                                                                                        وخلع الوكيل بغير نقد البلد ، أو غير جنس المسمى ، وبالمؤجل ، كخلعه بدون المقدر أو دون مهر المثل ، ففيه الخلاف المذكور .

                                                                                                                                                                        وأما وكيل الزوجة ، فإما أن يقدر له العوض ، وإما لا .

                                                                                                                                                                        الحالة الأولى : قدرت فقالت : اختلعني بمائة ، فإن اختلعها بها أو بما دونها [ ص: 392 ] بالوكالة عنها ، نفذ . والقول في أنه هل يطالبه الزوج يأتي في فصل خلع الأجنبي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        وإن اختلع بأكثر من مائة وأضاف إليها فقال : اختلعها بكذا من مالها بوكالتها ، فالمنصوص وقوع الطلاق بائنا .

                                                                                                                                                                        وخرج المزني قولا أنه لا يقع الطلاق . ونقل الحناطي قولا ، أنه يقع ولا يلزمها ولا الوكيل شيء .

                                                                                                                                                                        والمشهور حصول البينونة . فعلى هذا ، يلزمها مهر المثل على الأظهر ، وهو نصه في " الإملاء " . ونص في " الأم " ، أنه يلزمها أكثر الأمرين مما سمته هي ، ومن أقل الأمرين من مهر المثل ، وما سماه الوكيل .

                                                                                                                                                                        فإن كان مهر المثل زائدا على ما سماه الوكيل ، لم تجب الزيادة على ما سماه على هذا القول ، وكذا لو كان ما سماه الوكيل أكثر من مهر المثل ، لم تجب الزيادة .

                                                                                                                                                                        فلو سمت مائة وسمى الوكيل مائتين ، ومهر المثل تسعون ، فالواجب تسعون على القول الأول ، ومائة على الثاني .

                                                                                                                                                                        ولو كان مهر المثل مائة وخمسين ، فالواجب مائة وخمسون على القولين . ولو كان مهر المثل ثلاثمائة ، لم يجب على القول الثاني إلا مائتان .

                                                                                                                                                                        وحكي قول ثالث ، أنها بالخيار ، إن شاءت أجازت بمسمى الوكيل ، وإن شاءت ردت وعليها مهر المثل .

                                                                                                                                                                        وأما مطالبة الوكيل بما عليها ، فقال الأصحاب : لا يطالب إلا أن يقول : إني ضامن فيطالب بما سمى ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الأصحاب في طرقهم ، وفي " المختصر " تعرض لمثله ، وفي " المجرد " للحناطي قول شاذ ، أنه لا أثر لهذا الضمان .

                                                                                                                                                                        وقال الإمام : ينبغي أن يكون أثر الضمان في مطالبته بما تطالب به المرأة ، ولا تطالب بزيادة عليه وهذا ضعيف .

                                                                                                                                                                        [ ص: 393 ] ثم إذا غرم الوكيل للزوج ، قال البغوي : لا يرجع عليها إلا بما سمت ، ويجيء فيه قول أنه يرجع بالواجب عليها وهو مهر المثل أو أكثر الأمرين كما سنذكره إن شاء الله تعالى فيما إذا اختلع ولم يضف إليها .

                                                                                                                                                                        أما إذا اختلع وأضاف إلى نفسه ، فهو اختلاع أجنبي والمال عليه .

                                                                                                                                                                        ولو أطلق ولم يضف إليها ولا إليه ، فإن قلنا بالمشهور ، فعلى الوكيل ما سماه ، وفيما عليها منه قولان .

                                                                                                                                                                        أظهرهما : عليها ما سمت والباقي على الوكيل ، فعلى هذا لو طالب الزوج الوكيل به ، رجع على الزوجة بما سمت .

                                                                                                                                                                        والثاني : عليها أكثر الأمرين ، مهر المثل وما سمت . فإن بقي شيء مما [ سمى ] فعلى الوكيل .

                                                                                                                                                                        وإن زاد مهر المثل على ما سمى الوكيل ، لم تجب تلك الزيادة ؛ لأن الزوج رضي بما سمى الوكيل .

                                                                                                                                                                        ولو أضاف ما سمته إليها والزيادة إلى نفسه ، ثبت المال كذلك . ولو خالف الوكيل في جنس العوض بأن قالت : خالع على دراهم ، فخالع بدنانير أو ثوب ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما عن القاضي حسين : ينصرف الاختلاع عنها فيلغو إن أضاف إليها ، ويقع عن الوكيل إن أطلق . وأصحهما وبه قطع البغوي ، تحصل البينونة ، ثم ينظر ، إن أضاف الخلع إلى مالها .

                                                                                                                                                                        ولم يقل : وأنا ضامن ، فالرجوع عليها بمهر المثل على الأظهر ، وبأكثر من مهر المثل وبدل ما سمت في القول الثاني . وإن قال : وأنا ضامن أو لم يضف العقد إليها ، لم يرجع إلا ببدل ما سمت .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : إذا أطلقت التوكيل ، فمقتضاه الاختلاع بمهر المثل . فإن نقص [ ص: 394 ] عنه أو ذكر فيه أجلا ، فقد زادها خيرا ، وإن زاد على مهر المثل ، فهو كما لو قدرت فزاد على المقدر ، وحكمه ما سبق ، لكن لا يجيء قول وجوب أكثر الأمرين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اختلعها وكيلها بخمر أو خنزير ، بانت ولزمها مهر المثل ، سواء أطلقت التوكيل ، أو سمت الخمر والخنزير . وقال المزني : لا يصح التوكيل إذا سمت الخمر ، ولا ينفذ معه خلع الوكيل .

                                                                                                                                                                        ولو خالع وكيل الزوج على خمر أو خنزير ، وكان قد وكله بذلك ، فقد طرد أبو الفرج الزاز فيه مذهبنا ومذهب المزني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في فتاوى البغوي .

                                                                                                                                                                        قالت لوكيلها : اختلعني بطلقة على ألف ، فاختلعها بثلاث طلقات على ألف ، فإن أضاف إليها ، لم يقع إلا طلقة ، وإلا وقع الثلاث ، وليس عليها إلا ثلث الألف ؛ لأنه لم تحصل مسألتها إلا بثلث الألف ، وعلى الوكيل البقية .

                                                                                                                                                                        وفي هذا نظر ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنها لو قالت : طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا ، وقع الثلاث واحدة منها بالألف ، وفيها أنها لو قالت : اختلعني من زوجي بثلاث على ألف ، فاختلعها واحدة على ألف ، فإن أضاف إليها ، لم يقع ، وإلا وقع وعلى الوكيل ما سماه .

                                                                                                                                                                        وأن الرجل لو قال لوكيله : خالعها ثلاثا بألف ، فخالع واحدة على ألف ، وقع لأنه زاد خيرا .

                                                                                                                                                                        وأنه لو وكله بتطليقها بألف ، ووكل آخر بتطليقها بألفين ، فأيهما سبق وقع الطلاق بما سمى . وإن أوجبا معا ، فقالت : قبلت منكما ، أو كانت وكلت [ ص: 395 ] وكيلين أيضا ، فقبل وكيلاها من وكيله معا ، لم يقع شيء ، كما لو وكل رجلا ببيع عبده بألف ، وآخر ببيعه بألفين فعقدا معا لا يصح البيع .

                                                                                                                                                                        وفي فتاوى القفال ، أنه لو وكله بتطليق زوجته ثلاثا ، فطلقها واحدة بألف ، وقعت رجعية ولا يثبت المال ، ومقتضى هذا أن يقال : لو طلقها ثلاثا بألف ، لا يثبت المال أيضا ، ولا يبعد أن يقال : يثبت المال وإن لم يتعرض الزوج له كما لو قال : خالعها بمائة فخالع بأكثر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية