الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي ، والحرث ، والزبار ، والتلقيح والتشميس ، وإصلاح طرق الماء ، وموضع التشميس ونحوه ، وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان ، وإجراء الأنهار ، وحفر البئر والدولاب ، وما يديره ، وقيل : كل ما يتكرر كل عام فهو على العامل ، وما لا فلا ، وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد ، وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشاركه ، فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل ، وإن شرط إن سقى سيحا فله الربع ، وإن سقى بكلفة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين ، وإن قال : ما زرعت من شعير فلي ربعه ، وما زرعت من حنطة فلي نصفه ، أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي ، والحرث ، والزبار ، والتلقيح [ ص: 53 ] والتشميس ، وإصلاح طرق الماء ، وموضع التشميس ونحوه ) كآلة حرث ، وبقرة ، وتفريق زبل ، وقطع الحشيش المضر ، وقطع الشجر اليابس ، وحفظ الثمر على الشجر إلى أن يقسم ، وإن كان مما يشمس فعليه تشميسه ، وفي " الفنون " وغيره والفأس النحاس تقطع الدغل ; لأنه يلزم العامل بإطلاق عقد المساقاة ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها ، وهذا كله منه ( وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان ، وإجراء الأنهار ، ، وحفر البئر والدولاب ، وما يديره ) من آلة ، ودابة ، وجزم به الأكثر ، وشراء ما يلقح به ، وماء ، وتحصيل زبل ، وذكر المؤلف تبعا لابن أبي موسى أن بقر الدولاب على العامل ; لأنها ليست من العمل ، وذكر ابن رزين روايتين في بقر حرث وسقاية ، وما يلقح به ( وقيل : كل ما يتكرر كل عام ) كالحرث ( فهو على العامل ) قال في " المغني " ، وهذا أصح إلا في شراء ما يلقح به ، فإنه على رب المال وإن تكرر ; لأنه ليس من العمل ( وما لا فلا ) لأن ذلك لا تعلق له بالعمل أشبه ما فيه حفظ الأصل ، وفي الناطور لما بدا صلاحه وجهان ، وهذا كله إذا أطلق العقد ، فإن شرط أن يكون عليه ما يلزمه فهو تأكيد ، وإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر فمنعه القاضي ، وأبو الخطاب ، فتفسد المساقاة لأنه شرط ينافي مقتضى العقد ، فأفسدته كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على رب المال ، وقد نص أحمد على أن الجداد عليهما إلا أن يشرطه على العامل ، فيؤخذ منه صحة شرط كل واحد ما على الآخر أو بعضه لكن يعتبر ما يلزم كلا منهما معلوما ، وفي " المغني " وأن يعمل العامل أكثر العمل ، والأشهر يفسد الشرط ، وفي العقد روايتان ، وذكر أبو الفرج : يفسد بشرط [ ص: 54 ] خراج أو بعضه على عامل ، قال الشيخ تقي الدين : والسياج على المالك ، ويتبع في الكلف السلطانية العرف ما لم يكن شرط .

                                                                                                                          ( وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد ) لأن المالك قد ائتمنه أشبه المضارب ، وكذا في مبطل العقد ، وجزء مشروط ، وفي " الموجز " إن اختلفا فيما شرط له صدق عامل في أصح الروايتين ، ويحلف إن اتهم ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، وذكر غيرهما : للمالك ضم أمين بأجرة من نفسه ( وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشاركه ) لأنه أمكن دفع الضرر عن المالك بذلك مع بقاء العامل على عمله ، والأجرة عليه ( فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل ) لأنه تعذر استيفاء العمل منه ، فليستوف بغيره كما لو هرب أو عجز عن العمل .

                                                                                                                          تنبيه : يملك العامل حصته من الثمرة بظهورها ، فلو تلفت إلا واحدة فهي بينهما ، وقيل : لا يملكه إلا بالمقاسمة كالمضاربة ، ورد بأن القراض يملك الربح فيه بالظهور ، ولا يجوز أن يجعل للعامل فضل دراهم زائدا على ما شرطه له من الثمرة بغير خلاف ، ولا أن يساقي غيره على الأرض أو الشجر .

                                                                                                                          ( وإن شرط إن سقى سيحا ) ونصبه على المصدر أو على نزع الخافض ( فله الربع ، وإن سقى بكلفة فله النصف ) وإن زرعها شعيرا فله الربع ، وإن زرعها حنطة فله النصف ( لم يصح في أحد الوجهين ) هذا هو المذهب ; لأن العمل مجهول والنصيب مجهول ، وهو في معنى بيعتين في بيعة ، والثاني يصح بناء على قوله في الإجارة إن خطته روميا فلك درهم ، وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم ، قاله في " الشرح " ، وفيه شيء سيأتي ، وكقوله : ما زرعت من شيء فلي نصفه [ ص: 55 ] لقصة أهل خيبر ، فإن زرعها جنسين فأكثر ، وبين قدر كل جنس وحقه منه صح ، وإلا فلا ( وإن قال : ما زرعت من شعير فلي ربعه ، وما زرعت من حنطة فلي نصفه ) لم يصح ; لأن ما يزرعه من كل منهما مجهول القدر فهو كما لو شرط له في المساقاة ثلث هذا النوع ونصف الآخر ( أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا ) لأنه شرط عقدا في عقد فلم يصح كالبيع ، وكذا إذا قال : لك الخمسان إن كانت عليك خسارة ، وإلا فلك الربع ، نص عليه ، وقيل : بلى .

                                                                                                                          فرع : إذا آجره الأرض ، وساقاه على الشجر ، فكجمع بيع وإجارة ، وإن كان حيلة فالمذهب بطلانه ، وذكر القاضي في إبطال الحيل جوازه ثم إن كانت المساقاة في عقد ثان فهل تفسد أولاهما ؛ فيه وجهان ، وإن جمعهما في عقد ، فكتفريق صفقة ، وللمستأجر فسخ الإجارة ، وقال الشيخ تقي الدين : سواء صحت الإجارة أو لا ، فما ذهب من الشجر ذهب ما يقابله من العوض .




                                                                                                                          الخدمات العلمية