الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        يجوز أن يكون عوض الخلع منفعة ، ويصح عقد الإجارة عليها . فلو خالعها على إرضاع ولده أو حضانته مدة معلومة ، جاز ، سواء كان الولد منها أو من غيرها ، ويشبه أن يكون الجمع بينهما واستتباع أحدهما إذا أفرد على ما سبق في الإجارة .

                                                                                                                                                                        وفي إبدال الصبي المعين وانفساخ العقد بموته خلاف سبق في الإجارة . [ ص: 400 ] والمذهب الانفساخ ، وهو المنصوص في " المختصر " وأكثر الكتب ورجحه الجمهور .

                                                                                                                                                                        وامتناع الصبي من الارتضاع والتقام الثدي ، كالموت . فإن قلنا بالانفساخ ، فذلك فيما بقي من المدة ، ولا ينفسخ في الماضي على المذهب .

                                                                                                                                                                        وقيل : قولان من تفريق الصفقة ، فإن انفسخ فيما مضى رجع عليها بمهر المثل على الأظهر .

                                                                                                                                                                        وعلى القول الآخر ، بأجرة مثل الإرضاع تلك المدة ، وعلى الزوج لها أجرة الإرضاع في المدة الماضية . وإن لم تنفسخ في الماضي ، فعلى الأظهر يرجع بقسط المدة الباقية من مهر المثل إذا وزع مهر المثل على المدتين .

                                                                                                                                                                        وعلى الثاني : يرجع بأجرة مثل ما بقي من المدة . وإن قلنا : لا ينفسخ العقد ، فإن أتى بصبي مثله لترضعه ، فذاك ، وإن لم تأت به مع الإمكان حتى مضت المدة ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يبطل حقه ولا شيء عليها ، كما لو لم ينتفع المستأجر بعد قبضه العين ، تستقر عليه الأجرة .

                                                                                                                                                                        والثاني : يلزمها قسط المدة الباقية من مهر المثل إذا وزع على المدتين ، كما إذا تلف المبيع في يد البائع ، يكون من ضمانه وإن تمكن المشتري من القبض ، وهذا أصح عند الشيخ أبي حامد . ومقتضى كلام البغوي ترجيح الأول .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح الوجه الثاني . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو لم يأت بصبي آخر لعجزه ، فقد قطع البغوي وغيره ، بأن الحكم فيه [ كما ] إذا حكمنا بالانفساخ ، والوجه أن يطرد فيه الخلاف ، ولا فرق بين العجز وعدمه كما سبق في " الإجارة " فيما لو تلف الثوب المعين للخياطة وقلنا : لا تنفسخ الإجارة ، فلم يأت المستأجر بثوب مثله حتى مضت مدة الإجارة ، فإن في استقرار الأجرة وجهين ، سواء امتنع من الإبدال لعجزه أو مع القدرة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 401 ] قلت : الصحيح ، ما جزم به البغوي وموافقوه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أضاف إلى الإرضاع والحضانة نفقته مدة ، بأن خالعها على كفالة ولده عشر سنين ، ترضعه منها سنتين ، وتنفق عليه تمام العشر وتحضنه ، نظر ، إن بين النفقة كل يوم من الطعام والأدم كالزيت واللحم ، وكسوته كل فصل أو سنة ، وكان ذلك مما يجوز السلم فيه ، ووصفه بالأوصاف المشروطة في السلم ، ففي صحة الخلع بما سمى طريقان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : القطع بالصحة ؛ لأن المقصود الكفالة ، وهذه الأمور تابعة .

                                                                                                                                                                        والثاني : على قولين - لأنه جمع بين بيع وإجارة ، ولأنه سلم في أجناس - . أظهرهما : الصحة أيضا .

                                                                                                                                                                        فإن أبطلناه ، فهل يرجع بمهر المثل أم ببدل الأشياء المذكورة ؟ قولان .

                                                                                                                                                                        أظهرهما : الأول ، ومنهم من قطع به هنا ؛ لأنه لو رجع إلى بدل الأشياء لأثبتناها .

                                                                                                                                                                        وإن صححنا ، فهو في الطعام والشراب ، فيخير بين أن يستوفيه بنفسه ويصرفه إلى الولد ، وبين أن يأمرها بالصرف إليه .

                                                                                                                                                                        قال ابن الصباغ : ينبغي أن يجيء فيه الخلاف المذكور ، فيما إذا أذن الحاكم للملتقط في الإنفاق على اللقيط من ماله ، بشرط الرجوع .

                                                                                                                                                                        قلت : ليس هو مثله ، بل يجوز هذا قطعا والفرق ظاهر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 402 ] ثم إن عاش الولد حتى استوفى المنفعة والعين ، فذاك ، فإن خرج زهيدا وفضل من المقدر شيء ، فهو للزوج ، وإن كان رغيبا واحتاج إلى زيادة ، فهي على الزوج .

                                                                                                                                                                        وإن مات الولد ، فله حالان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يموت قبل تمام مدة الإرضاع ، ففيه الخلاف السابق في انفساخ العقد ، وجواز الإبدال ، فإن حكمنا بالانفساخ ، ومنعنا الإبدال ، انفسخ فيما بقي من المدة ، وفي انفساخه فيما مضى وفي الطعام والكسوة خلاف تفريق الصفقة .

                                                                                                                                                                        والأظهر عدم الانفساخ .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : لا ينفسخ ، استوفى الزوج الطعام والكسوة ، ويرجع بما انفسخ العقد فيه من المدة إلى أجرة المثل في قول ، وإلى حصته من مهر المثل على الأظهر ، وبيان الحصة بأن يقوم الطعام والأدم والكسوة ، وما مضى من المدة ، وما بقي ، ويعرف نسبة قيمة الباقي من المدة من الجميع ، فيجب من مهر المثل بتلك النسبة .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : يتعدى الانفساخ إلى المدة الماضية والنفقة ، رجع إلى مهر المثل على الأظهر ، وإلى بدل الجميع على الثاني ، وترجع الزوجة بأجرة ما مضى من مدة الإرضاع ، وقد يقع التقاص ، هذا هو المذهب .

                                                                                                                                                                        وعن القاضي أبي الطيب ، أن الواجب قسط ما سوى المدة الماضية من مهر المثل ، وتسقط حصتها وتجعل منفعتها مستوفاة .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يموت بعد ارتضاعه المدة بكمالها ، فيبقى استحقاق النفقة والكسوة ، وهل يتعجل الاستحقاق أم يبقى منجما كما كان ؟ وجهان . أصحهما : الثاني .

                                                                                                                                                                        ولو انقطع جنس بعض الأشياء المذكورة ، ففيه القولان السابقان في انقطاع المسلم فيه .

                                                                                                                                                                        أحدهما : ينفسخ العقد . فعلى هذا ينفسخ في المنقطع ، ولا ينفسخ في الأعيان المقبوضة على الأظهر ، كما لو اشترى عبدين ، فقبض أحدهما وتلف الآخر [ ص: 403 ] ولا في الحضانة والإرضاع على المذهب ، لبعد ما بينهما ، فإن حكم بالانفساخ في الجميع غرم لها بدل ما استوفى من العين والمنفعة ، وله عليها مهر المثل على الأظهر .

                                                                                                                                                                        وفي قول : بدل المسمى . وإن قلنا : لا ينفسخ إلا في المنقطع ، رجع إلى حصته من مهر المثل على الأظهر ، وإلى بدل المنقطع في قول .

                                                                                                                                                                        والقول الثاني في الأصل وهو الأظهر ، أن انقطاع المسلم فيه لا يقتضي الانفساخ ، لكن يثبت له خيار الفسخ ، فله الفسخ في الجميع .

                                                                                                                                                                        وهل له الفسخ في المنقطع وحده ؟ فيه الخلاف السابق فيمن اشترى عبدين فوجد أحدهما معيبا وأراد إفراده بالرد ، قال المتولي : وله الفسخ في الأعيان دون المنافع على المذهب لبعد ما بينهما جنسا وعقدا .

                                                                                                                                                                        وإذا أفرد المنقطع بالرد وجوزناه ، ففيما يرجع به القولان .

                                                                                                                                                                        هذا كله إذا كان المذكور مما يجوز السلم فيه ، ووصف بالصفات المشروطة في المسلم فيه ، فإن لم توصف ، أو كان مما لا يجوز السلم فيه كالثياب المخيطة ، والمحشوة ، والمطبوخ والمشوي من الطعام ، فالمسمى فاسد ، والرجوع إلى مهر المثل بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية