الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- جامع البيان في تفسير القرآن- للطبري:

يعتبر ابن جرير الطبري من الأئمة الأعلام الذين برعوا في علوم كثيرة، وتركوا تراثا إسلاميا ضخما تناقلته العصور والأجيال، وقد أحرز شهرة واسعة بكتابيه: في التاريخ: تاريخ الأمم والملوك، والتفسير: جامع البيان في تفسير القرآن. وهما [ ص: 353 ] من أهم المراجع العلمية، بل إن كتابه في التفسير هو المرجع الأول عند المفسرين الذين عنوا بالتفسير بالمأثور.

ويقع تفسير ابن جرير في ثلاثين جزءا من الحجم الكبير، وقد كان مفقودا إلى عهد قريب، ثم قدر الله له الظهور حين وجدت نسخة مخطوطة في حيازة "أمير حائل" الأمير حمود بن الرشيد من أمراء نجد، طبع عليها الكتاب منذ زمن قريب، فأصبحت في يدنا معارف غنية في التفسير بالمأثور.

وهو تفسير عظيم القيمة، لا غنى لطالب التفسير عنه، قال السيوطي: "وكتابه -يعني تفسير محمد بن جرير- أجل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين" وقال النووي: "أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري".

وتفسير الطبري أقدم كتاب وصل إلينا كاملا في التفسير، فإن المحاولات التفسيرية قبله لم يصل إلينا شيء منها، اللهم إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب.

وطريقة ابن جرير في تفسيره أنه إذا أراد أن يفسر الآية من القرآن يقول: "القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا" ثم يفسر الآية مستشهدا بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين من التفسير بالمأثور عنهم، ويعرض لكل ما روي في الآية، ولا يقتصر على مجرد الرواية، بل يوجه الأقوال ويرجح بعضها على بعض، كما يتعرض لناحية الإعراب إن دعت الحال إلى ذلك، ويستنبط بعض الأحكام.

وقد يقف من السند موقف الناقد البصير أحيانا، فيعدل من رجال الإسناد، ويجرح من يجرح منهم، ويرد الرواية التي لا يثق بصحتها.

ويعتني ابن جرير بذكر القراءات وتوجيهها، ويقال: إنه ألف فيها مؤلفا خاصا.

ومع روايته الأخبار المأخوذة من القصص الإسرائيلي فإنه كثيرا ما يتعقبها بالبحث.

ويعتمد ابن جرير على الاستعمالات اللغوية بجانب الروايات المنقولة، ويستشهد [ ص: 354 ] بالشعر القديم، ويهتم بالمذاهب النحوية، ويحتكم إلى المعروف من لغة العرب، ويعالج الأحكام الفقهية مجتهدا، فيذكر أقوال العلماء ومذاهبهم، ويخلص من ذلك برأي يختاره لنفسه ويرجحه.

ويناقش مسائل العقيدة مناقشة فاحصة، يرد فيها على الفرق ومذاهب أهل الكلام، وينتصر لأهل السنة والجماعة.

وقد طبعت دار المعارف بمصر كتابه، في إخراج حسن، وخرج أحاديثه الأستاذ أحمد محمد شاكر، ولكن هذه الطبعة لم تتم، مع عظيم نفعها، والعناية بتحقيقها.

"

التالي السابق


الخدمات العلمية