الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن صحا قبل الزوال أفطر ، وصلى بهم الإمام صلاة العيد ، وإن كان بعد الزوال فلا صلاة في يومه ، وأحب إلي أن يصلي العيد من الغد لما ذكر فيه وإن لم يكن ثابتا ( قال المزني ) وله قول آخر أنه لا يصلي من الغد وهو عندي أقيس ؛ لأنه لو جاز أن يقضي جاز في يومه وإذا لم يجز القضاء في أقرب الوقت كان فيما بعده أبعد ولو كان ضحى غد مثل ضحى اليوم لزم في ضحى يوم بعد شهر ؛ لأنه مثل ضحى اليوم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة أن يصبح الناس يوم الثلاثين من رمضان شاكين في يومهم هل هو من رمضان أو من شوال ؟ فعليهم صيامه ما لم تقم البينة ، أنه من شوال فإن شهد برؤيته شاهدان نظر في عدالتهما ، فإن لم يكونا من أهل العدالة لم يحكم بشهادتهما ، وكان الناس على صومهم ، وإن ثبتت عدالتهما حكم القاضي بشهادتهما ، وأفطر القاضي أولا ، ثم الشاهدان ، ثم الناس بعدهم ، وسواء بان ذلك قبل الزوال أو بعده ، فأما صلاة العيد فينظر فإن بانت عدالتهما قبل الزوال صلى الإمام بهم صلاة العيد ؛ لأن وقتها من طلوع الشمس إلى زوالها ، فإن أمكنه أن يخرج بالناس إلى المصلى فعل ، وإن ضاق عليه الوقت صلى بهم حيث أمكنه من جامع أو مسجد ، وإن بانت عدالتهما بعد الزوال ، فقد فات وقت الصلاة ، وهل تقضى أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : واختاره المزني لا تقضى لأنها صلاة نافلة سن لها الجماعة فوجب أن تسقط بالفوات كصلاة الخوف .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنها تقضى لأنها صلاة راتبة في وقت ، فوجب أن لا تسقط بفوات وقتها كالفرائض ، وعلى هذين القولين يخرج قضاء الوتر وركعتي الفجر ، فإذا قيل : إنها [ ص: 451 ] تقضى نظر فإن تعذر عليه اجتماع الناس في بقية يومهم ، لتفرقهم وسعة بلدهم أمرهم أن يجتمعوا من الغد ، فإذا اجتمعوا صلى بهم صلاة العيد في وقتها من الغد من جماعة ؛ لأن المقصود منها تكامل الجماعة وإظهار الزينة ، وأن يحثهم على الصدقة وفعل الخير وينهاهم عن المأثم ، فلذلك لم يصل قبل اجتماعهم ، وإن كانوا مجتمعين في يومهم ففيه وجهان : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي : أنه يصلي بهم في بقية يومهم ؛ لأنه أقرب إلى وقتها من الغد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو مذهب الشافعي يؤخرها إلى الغد ليصليها في مثل وقتها ولا يصليها في بقية اليوم ؛ لرواية أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها من الغد فأما إن بانت عدالة الشاهدين بعد غروب الشمس ، فإنهم يصلون العيد من الغد قولا واحدا لا يختلف لقوله صلى الله عليه وسلم : " فطركم يوم تفطرون " فأما المزني فإنه اختار أن لا يقضي ، واعترض بسؤالين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن قال لو جاز أن يقضي من الغد لجاز في يومه ؛ لأنه من الوقت أقرب ، قلنا : فقد أجاز بعض أصحابنا القضاء في بقية اليوم ، فسقط هذا الاعتراض على أنا إنما نأمر بالقضاء بها من الغد ، لأنها صلاة ضحى جعل سببها أول النهار ، فاحتاجت في القضاء إلى الأداء .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن قال : لو جازت في ضحى الغد لجازت بعد شهر قلنا : إنما جوزنا لحدوث الإشكال في رؤية الهلال وهذا غير موجود فيما بعد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية