الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          الباب الثاني

                          ( في الحقوق والأحكام والكرامة الخاصة برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفيه فصلان )

                          تنبيه : لما كان موضوع سورتي الأنعام ، والأعراف المكيتين - كأمثالهما من السور المكية الطويلة - تبليغ الدعوة العامة للمشركين المنكرين للرسالة والوحي أولا وبالذات ، كثرت فيهما الآيات في الرسالة العامة ووظائف الرسل وإثبات الوحي ودفع شبهات المشركين عليه وعلى الرسل ، وفي رسالة خاتم النبيين خاصة وعموم بعثته وما هو دين وتشريع من أقواله وأفعاله وما ليس كذلك . [ راجع ص255 - 269 ج 9 ط الهيئة ] .

                          [ ص: 110 ] ولما كان الخطاب في هذه السورة المدنية موجها إلى المؤمنين كثر فيها ما هو خاص به ـ صلى الله عليه وسلم ـ من إيجاب طاعته في كل ما يأمر به من أمر الدين والتشريع ، والنهي عن عصيانه وخيانته وغير ذلك من حقوقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن عنايته تعالى به وتكريما له .

                          الفصل الأول

                          ( في عناية الله تعالى برسوله من كفايته وتشريفه إياه واستعماله فيما تتم به حكمته )

                          وفيه تسعة أصول ( الأصل الأول ) كفايته تعالى إياه مكر مشركي قريش به في مكة وائتمارهم لحبسه إلى آخر حياته ، أو نفيه من بلده ، أو قتله بتقطيع فتيان من جميع بطون قريش له لإضاعة دمه ، وكان ذلك سبب هجرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وذلك قوله عز وجل : وإذ يمكر بك الذين كفروا إلى قوله تعالى : والله خير الماكرين ( 30 ) .

                          ( الأصل الثاني ) إحساب الله تعالى له - أي كفايته التامة حتى يقول " حسبي " - في موقعين : ( أحدهما ) مقيد بحال " مخصوصة ، وهي كفايته خداع من يريدون خداعه من الكفار بإظهارهم الجنوح للسلم وتأييده بنصره وبالمؤمنين في الآية 62 . ( والثاني ) مطلق وهو كفايته إياه هو ومن اتبعه من المؤمنين الذين ذكر أنه أيده بهم - وهو نص الآية 64 .

                          ( الأصل الثالث ) عنايته تعالى به وتوفيقه إياه لتربية المؤمنين في قوله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 ) وهذه هي التي ترتب عليها ما في الفصل الثاني من الأحكام التكليفية المناسبة لما قبلها من وجوب الطاعة وحظر العصيان والخيانة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

                          ( الأصل الرابع ) استعماله تعالى إياه برميه لوجوه الكفار ببدر بقبضة من التراب والرمل أصاب الله تعالى بها وجوههم كلهم وفيها قال تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( 17 ) فراجع تفسيرها في [ ص516 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ] وكان هذا من آيات الله الكونية له ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذه الآيات كانت كثيرة ، وهي من جنس آيات الله تعالى لموسى وعيسى وغيرهما من الرسل عليهم السلام ، وفائدتها تقوية إيمان المؤمنين الذين شاهدوها ، ومن يصح عندهم نقلها من بعدهم ، وأما التحدي لإقامة حجة رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكانت خاصة بالقرآن وهو مشتمل على آيات تقدم بيانها في تفسير آية التحدي من سورة البقرة [ ص159 - 191 ج 1 ط الهيئة ] وفي غيرها .

                          ( الأصل الخامس ) امتناع تعذيب الله المشركين ما دام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهم كما في الآية 33 وتفسيرها [ ص545 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ] .

                          [ ص: 111 ] ( الأصل السادس ) استغاثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ربه مع المؤمنين وإمداده تعالى إياهم بالملائكة وتغشيته إياهم النعاس وإنزاله عليهم المطر . وذلك في الآيات 9 - 12 وتفسيرها في ( ص501 وما بعده ج 9 ط الهيئة ) إلخ . وفيه بحث كمال توكله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وثقته بربه ، وإعطائه كل مقام من التوكل والأخذ بالأسباب حقه ، واختلاف حال الخروج في الهجرة وحال الحرب ببدر .

                          ( الأصل السابع ) أنه ليس من شأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا مما يصح منه - إذ ليس من شأن الأنبياء ، ولا من سنتهم في الحرب - أخذ الأسرى ومفاداتهم قبل الإثخان في الأرض بتمكين أهل الحق والعدل فيها وهو الآية 67 .

                          ( الأصل الثامن ) عتابه تعالى له في ضمن المؤمنين لعمله برأيهم في أخذ الفداء من أسارى بدر في الآيتين 68 و69 فيراجع تفسيرهما ، وما فيه من التحقيق وما فيهما من الحكم والأحكام في هذا الجزء .

                          ( الأصل التاسع ) تكريمه وتشريفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما قرن الله عز وجل من طاعته بطاعته والاستجابة له بالاستجابة له ومشاقته بمشاقته والنهي عن خيانتهما معا ، ومثله جعل الأنفال لله ولرسوله فيما يبين في موضعه من الفصل الآتي ، ويا له من شرف عظيم ، وتكريم لا يعلوه تكريم .

                          ( الفصل الثاني )

                          ( في حقوقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمة وفيه 6 أصول تتمة 15 أصلا )

                          ( الأصل العاشر ) إيجاب طاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأمر بها تكرارا ، وجعلها مقارنة لطاعة الله تعالى في الآيات 1 و20 و46 ، وفي معناه الأمر بالاستجابة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الآية 24 مقارنة للاستجابة لله تعالى .

                          ( الأصل الحادي عشر ) حظر مشاقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعلها كمشاقة الله عز وجل في الوعيد عليهما معا في الآية 13 ، وأصل المشاقة الخلاف والانفصال الذي يكون به كل واحد من المنفصلين في شق وجانب غير الذي فيه الآخر ، فكل من يرغب عن هديه وسنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويفضل عليهما غيرهما مما يسمى دينا أو تشريعا أو ثقافة وتهذيبا فهو داخل في هذا الوعيد .

                          ( الأصل الثاني عشر ) حظر خيانتهم له ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقارنا لخيانة الله تعالى في الآية 27 .

                          ( الأصل الثالث عشر ) كراهة مجادلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما يأمر به ويحاوله ويرغب [ ص: 112 ] فيه من أمور الدين أو مصالح المسلمين ، ولكن يشترط في هذه أن تكون المجادلة بعد تبين الحق للمسلمين في المسألة . وذلك قوله تعالى : يجادلونك في الحق بعدما تبين ( 6 ) وهي في أمر الخروج إلى بدر ، ووعد الله تعالى للمؤمنين على لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإحدى الطائفتين من المشركين - طائفة العير وطائفة النفير أي الحرب - على الإبهام ، ثم زوال الإبهام بتعين لقاء الثانية . وأما المجادلة والمراجعة في المصالح الحربية والسياسية قبل أن يتبين الحق فيها فهو محمود مع الأدب اللائق ، إذ هي مقتضى المشاورة التي عمل بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة بدر ، وفي غيرها كما ترى في ( ص257 وص508 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ) ثم فرضها الله تعالى عليه في غزوة أحد ( راجع ص 163 وما بعدها ج 4 ط الهيئة ) وفي الآية الدالة على هذا الأصل آية أي حجة على حسن تربيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمؤمنين وصبره على ضعفاء الإيمان منهم حتى يكمل .

                          ( الأصل الرابع عشر ) كون الأنفال لله والرسول في الآية ، وفيها شرف المقارنة أيضا .

                          ( الأصل الخامس عشر ) جعل خمس الغنائم لله وللرسول كما في آية 41 وفيها ما تقدم

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية