الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3426 126 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكرياء، عن فراس، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت. فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت: أسر إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه أخبر عن حضور أجله ومن حيث إنه أخبر أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وأبو نعيم [ ص: 154 ] الفضل بن دكين، وزكرياء هو ابن أبي زائدة، وفراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى المكتب مر في الزكاة، وعامر هو الشعبي، وفي بعض النسخ لفظ الشعبي مذكور ومسروق بن الأجدع.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن موسى بن إسماعيل وفي فضائل القرآن، وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي كامل الجحدري، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن محمد بن عبد الله بن نمير، وأخرجه النسائي في الوفاة عن محمد بن معمر، وفي المناقب عن علي بن حجر، وفي أوله زيادة قوله: " كأن مشيتها " بكسر الميم؛ لأن الفعلة بالكسر للحالة وبالفتح للمرة. قوله: " مشي النبي صلى الله عليه وسلم " بالرفع لأنه خبر كأن بالتشديد، وكان صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنه ينحدر من صبب أي: من موضع منحدر. قوله: " أو شماله " شك من الراوي. قوله: " يعارضني القرآن " من المعارضة وهي المقابلة، ومنه عارضت الكتاب بالكتاب أي: قابلت به. قوله: " ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن " أي: كان الفرح قريب الحزن. قوله: " لأفشي " من الإفشاء وهو الإظهار. قوله: " حتى قبض " متعلق بمحذوف أي: لم يقل حتى قبض. قوله: " ولا أراه إلا حضر أجلي " بضم الهمزة أي: ولا أظنه إلا أن موتي قرب، وبكاؤها في هذه الرواية كان من أجل قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: " ما أراه إلا حضر أجلي " وضحكها كان لأجل إخباره لها أنها سيدة نساء أهل الجنة أو سيدة نساء المسلمين، وأما بكاؤها في الرواية التي تأتي الآن كان لأجل قوله: إنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، وضحكها كان لأجل أنه قال: فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، وماتت فاطمة بعد أبيها بستة أشهر. قالت عائشة: وذلك في رمضان عن خمس وعشرين سنة، وقيل: ماتت بعده بثلاثة أشهر. وفيه أن المرء لا يحب البقاء بعد محبوبه، قال ابن عمر في عاصم:


                                                                                                                                                                                  فليت المنايا كن خلفن عاصما فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا



                                                                                                                                                                                  وفيه أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، قال الكرماني: فهي أفضل من خديجة وعائشة رضي الله تعالى عنهما، قلت: المسألة مختلف فيها، ولكن اللازم من الحديث ذلك إلا أن يقال: إن الرواية بالشك، والمتبادر إلى الذهن من لفظ المؤمنين غير النبي صلى الله عليه وسلم عرفا، ودخول المتكلم في عموم كلامه مختلف فيه عند الأصوليين.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية