الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومكاتب ) لغير هاشمي ، ولو عجز حل لمولاه ولو غنيا [ ص: 342 ] كفقير استغنى وابن سبيل وصل لماله ، وسكت عن المؤلفة قلوبهم لسقوطهم إما بزوال العلة أو نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ في آخر الأمر { خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم }

التالي السابق


( قوله : ومكاتب ) هذا هو المعني بقوله تعالى { وفي الرقاب } في قول أكثر أهل العلم ، وهو المروي عن الحسن البصري أطلقه فعم مكاتب الغني أيضا وقيده الحدادي بالكبير أما الصغير فلا يجوز وفيه نظر إذ صرحوا بأن المكاتب يملك المدفوع إليه وهذا بإطلاقه يعم الصغير أيضا نهر .

قلت : قد يجاب بأن مراد الحدادي بالصغير من لا يعقل ; لأن كتابته استقلالا غير صحيحة أو ; لأنه لا يصح قبضه تأمل ثم قال في النهر : وعلى هذا فالعدول فيه وفيما بعده عن اللام إلى " في " للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقبة ، أو للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم من غيرهم لا ; لأنهم لا يملكون شيئا كما ظن إلا أن يراد لا يملكونه ملكا مستقرا وهل يجوز للمكاتب صرف المدفوع إليه في غير ذلك الوجه لم أره لهم ا هـ والضمير في لهم لأئمتنا وأصل التوقف لصاحب البحر ، فإنه نقل عن الطيبي من الشافعية ما يفيد أن المكاتب ومن بعده ليس لهم صرف المال في غير الجهة التي أخذوا لأجلها ; لأنهم لا يملكونه ، ثم قال وفي البدائع : إنما جاز دفع الزكاة إلى المكاتب ; لأنه تمليك وهو ظاهر في أن الملك يقع للمكاتب فبقية الأربعة بالطريق الأولى لكن بقي هل لهم على هذا الصرف إلى غير الجهة ا هـ قال الخير الرملي والذي يقتضيه نظر الفقيه الجواز . ا هـ . قلت : وبه جزم العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز .

[ فرع ] ذكر الزيلعي في كتاب المكاتب عند قوله ولو اشترى أباه أو ابنه فكاتب عليه أن للمكاتب كسبا وليس له ملك حقيقة لوجود ما ينافيه وهو الرق ولهذا لو اشترى زوجته لا يفسد نكاحه ويجوز دفع الزكاة إليه ولو وجد كنزا ا هـ كذا في شرح الكنز للعلامة ابن الشلبي شيخ صاحب البحر .

قلت : وهو صريح في جواز دفع الزكاة إليه وإن ملك نصابا زائدا على بدل الكتابة وسنذكر عن القهستاني ما يفيده ( قوله لغير هاشمي ) ; لأنه إذا لم يجز دفعها لمعتق الهاشمي الذي صار حرا يدا ورقبة فمكاتبه الذي بقي مملوكا له رقبة بالأولى وفي البحر عن المحيط وقد قالوا : إنه لا يجوز لمكاتب هاشمي ; لأن الملك يقع للمولى من وجه والشبهة ملحقة بالحقيقة في حقهم ا هـ .

أي إن المكاتب وإن صار حرا يدا حتى يملك ما يدفع إليه لكنه مملوك رقبة ففيه شبهة وقوع الملك لمولاه الهاشمي والشبهة معتبرة في حقه لكرامته بخلاف الغني كما مر في العامل ، فلذا قيد بقوله في حقهم أي حق بني هاشم .

وأنت خبير بأن ما ذكر من التعليل مسوق في كلام البحر لعدم الجواز لمكاتب الهاشمي لا لمنع تصرف المكاتب في المسألة التي توقفت في حكمها أولا بل لا يفيد التعليل المذكور ذلك أصلا فافهم ( قوله : حل لمولاه ) ; لأنه انتقل إليه بملك حادث بعد ما ملكه المكاتب ; لأنه حر يدا ، وتبدل الملك بمنزلة تبدل العين وفي الحديث الصحيح [ ص: 342 ] { هو لها صدقة ولنا هدية } ( قوله : كفقير استغنى ) أي وفضل معه شيء مما أخذه حالة الفقر ; لأن المعتبر في كونه مصرفا هو وقت الدفع وكذا يقال في ابن السبيل ( قوله وسكت عن المؤلفة قلوبهم ) كانوا ثلاثة أقسام : قسم كفار كان عليه الصلاة والسلام يعطيهم ليتألفهم على الإسلام .

وقسم كان يعطيهم ليدفع شرهم . وقسم أسلموا وفيهم ضعف في الإسلام ، فكان يتألفهم ليثبتوا وكان ذلك حكما مشروعا ثابتا بالنص ، فلا حاجة إلى الجواب عما يقال كيف يجوز صرفها إلى الكفار بأنه كان من جهاد الفقراء في ذلك الوقت أو من الجهاد ; لأنه تارة بالسنان وتارة بالإحسان أفاده في الفتح ( قوله : لسقوطهم ) أي في خلافة الصديق لما منعهم عمر رضي الله تعالى عنهما وانعقد عليه إجماع الصحابة ، نعم على القول بأنه لا إجماع إلا عن مستند يجب علمهم بدليل أفاد نسخ ذلك قبل وفاته صلى الله عليه وسلم أو تقييد الحكم بحياته أو كونه حكما مغيا بانتهاء علته وقد اتفق بعد وفاته وتمامه في الفتح لكن لا يجب علمنا نحن بدليل الإجماع كما هو مقرر في محله .

( قوله : إما بزوال العلة ) هي إعزاز الدين فهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علته الغائية التي كان لأجلها الدفع ، فإن الدفع كان للإعزاز وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم بحر لكن مجرد التعليل بكونه معللا بعلة انتهت لا يصلح دليلا على نفي الحكم المعلل ; لأن الحكم لا يحتاج في بقائه إلى بقاء علته .

لاستغنائه في البقاء عنها لما علم في الرق والاضطباع والرمل ، فلا بد من دليل على أن هذا الحكم مما شرع مقيدا بقاؤه ببقائها لكن لا يلزمنا تعيينه في محل الإجماع فنحكم بثبوت الدليل وإن لم يظهر لنا على الآية التي ذكرها عمر تصلح لذلك وهي قوله تعالى { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } وتمامه في الفتح ( قوله : أو نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم إلخ ) أي هو مستند الإجماع فالنسخ في حياته صلى الله عليه وسلم بالحديث المذكور الذي سمعه أهل الإجماع من النبي صلى الله عليه وسلم فكان قطعيا بالنسبة إليهم فيصح نسخه للكتاب ، وجعل في البحر مستند الإجماع الآية التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه وإنما لم يجعل الإجماع ناسخا ; لأنه خلاف الصحيح ; لأن النسخ لا يكون إلا في حياته صلى الله عليه وسلم والإجماع لا يكون إلا بعده كما أوضحه المصنف في المنح ( قوله : وردها في فقرائهم ) في نسخة : على فقرائهم ولفظ الحديث على ما في الفتح من رواية أصحاب الكتب الستة { إنك ستأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم } إلخ " . ا هـ .

وأما باللفظ الذي ذكره الشارح تبعا للهداية ففي حاشية نوح عن الحافظ ابن حجر أنه لم يره في شيء من المسانيد ا هـ وضمير فقرائهم للمسلمين ، فلا تدفع إلى من كان من المؤلفة كافرا أو غنيا وتدفع إلى من كان منهم مسلما فقيرا بوصف الفقر لا لكونه من المؤلفة فالنسخ للعموم أو لخصوص [ ص: 343 ] الجهة تأمل




الخدمات العلمية