الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وابن السبيل وهو ) كل ( من له ماله لا معه ) [ ص: 344 ] ومنه ما لو كان ماله مؤجلا أو على غائب أو معسر أو جاحد ولو له بينة في الأصح .

التالي السابق


( قوله : وابن السبيل ) هو المسافر سمي به للزومه الطريق زيلعي ( قوله : من له مال لا معه ) أي سواء كان هو في غير وطنه أو في وطنه وله ديون لا يقدر على أخذها كما في النهر عن النقاية لكن الزيلعي جعل الثاني ملحقا به حيث قال : وألحق به كل من هو غائب عن ماله وإن كان في بلده ; لأن الحاجة هي المعتبرة وقد وجدت ; لأنه فقير يدا وإن كان غنيا ظاهرا . ا هـ .

وتبعه في الدرر والفتح وهو ظاهر كلام الشارح وقال في الفتح أيضا : ولا يحل له أي لابن السبيل أن يأخذ أكثر من حاجته والأولى له أن يستقرض إن قدر ولا يلزمه ذلك لجواز عجزه عن الأداء ولا يلزمه التصدق [ ص: 344 ] بما فضل في يده عند قدرته على ماله كالفقير إذا استغنى والمكاتب إذا عجز . وعندهما من مال الزكاة لا يلزمها التصدق ا هـ .

قلت : وهذا بخلاف الفقير فإنه يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته وبهذا فارق ابن السبيل كما أفاده في الذخيرة ( قوله : ومنه ما لو كان ماله مؤجلا ) أي إذا احتاج إلى النفقة له أخذ الزكاة قدر كفايته إلى حلول الأجل نهر عن الخانية ( قوله أو على غائب ) أي ولو كان حالا لعدم تمكنه من أخذه ط ( قوله : أو معسرا ) فيجوز له الأخذ في أصح الأقاويل ; لأنه بمنزلة ابن السبيل ، ولو موسرا معترفا لا يجوز كما في الخانية وفي الفتح دفع إلى فقيرة لها مهر دين على زوجها يبلغ نصابا وهو موسر بحيث لو طلبت أعطاها لا يجوز وإن كان لا يعطي لو طلبت جاز .

قال في البحر : المراد من المهر ما تعورف تعجيله وإلا فهو دين مؤجل لا يمنع وهذا مقيد لعموم ما في الخانية ويكون عدم إعطائه بمنزلة إعساره ويفرق بينه وبين سائر الديون بأن رفع الزوج للقاضي مما لا ينبغي للمرأة بخلاف غيره ، لكن في البزازية إن موسرا والمعجل قدر النصاب لا يجوز عندهما وبه يفتى احتياطا وعند الإمام يجوز مطلقا . ا هـ .

قال في السراج : والخلاف مبني على أن المهر في الذمة ليس بنصاب عنده وعندهما نصاب . ا هـ . نهر .

قلت : ولعل وجه الأول كون دين المهر دينا ضعيفا ; لأنه ليس بدل مال ولهذا لا تجب زكاته حتى يقبض ويحول عليه حول جديد فهو قبل القبض لم ينعقد نصابا في حق الوجوب فكذا في حق جواز الأخذ لكن يلزمه من هذا عدم الفرق بين معجله ومؤجله فتأمل ( قوله : ولو له بينة في الأصح ) نقل في النهر عن الخانية أنه لو كان جاحدا وللدائن بينة عادلة لا يحل له أخذ الزكاة ، وكذا إن لم تكن البينة عادلة ما لم يحلفه القاضي ، ثم قال ولم يجعل في الأصل الدين المجحود نصابا ، ولم يفصل بين ما إذا كان له بينة عادلة أو لا . قال السرخسي : والصحيح جواب الكتاب أي الأصل إذ ليس كل قاض يعدل ، ولا كل بينة تقبل ، والجثو بين يدي القاضي ذل وكل أحد لا يختار ذلك وينبغي أن يعول على هذا كما في عقد الفرائد . ا هـ .

قلت : وقدمنا أول الزكاة اختلاف التصحيح فيه ، ومال الرحمتي إلى هذا وقال بل في زماننا يقر المديون بالدين وبملاءته ولا يقدر الدائن على تخليصه منه فهو بمنزلة العدم .




الخدمات العلمية