الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 439 ] فصل في الانتقال

                                                      وقد منعه الجمهور . وقال الشاعر :

                                                      وإذا تنقل في الجواب مجادل دل العقول على انقطاع حاصر

                                                      ولأنا لو جوزناه لم بات إفحام الخصم ولا إظهار الحق ، وذلك لأنه يشرع في كلام وينتقل إلى غيره قبل تمام الأول وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فلا يحصل المقصود من المناظرة وهو إظهار الحق وإفحام الخصم . واستثنوا من ذلك ما إذا استفاد من الكلام المتنقل عنه فائدة لو لم يذكره أولا لم تحصل له تلك الفائدة . ذكره صاحب " الإرشاد " . فأما السائل لو انتقل من السؤال قبل تمامه وقال : ظننت أنه لازم فبان خلافه فمكنوني من سؤال آخر ففيه خلاف حكاه بعضهم ، وقال الأصح أنه يمكن منه إذا كان انحدارا من الأعلى إلى الأدنى . فإن كان ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، كما لو أراد الترقي من المعارضة إلى المنع فقيل : لا يمكن لأنه مكذب لنفسه . وقيل : يمكن ، لأن مقصوده الإرشاد .

                                                      وأما المسئول فيمكن من الغرض كما سيأتي . ولو أراد العدول من دليل إلى دليل لا يؤيد الأول كان منقطعا . فإن ترك الدليل الأول لعجز السائل عن فهمه لا يعد انقطاعا . وعلى ذلك حملت قضية إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه . وجوز بعضهم الانتقال مطلقا . محتجا بالاحتجاج على الكافر [ ص: 440 ] { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب } بعد الاحتجاج عليه بأن الله يحيي ويميت . قال الأصفهاني : وهذا ليس بانتقال ، بل هو في غاية الحسن والكمال في صنعة الجدل وبيانه أنه لما وضع الاحتجاج على الملحد بما يعجز هو عنه ويعترف به . وذلك بأن الله يحيي ويميت ، أورد الملحد شبهة خيالية عليه فبدل ذلك المثال المعجوز عنه بمثال لا يقدر على إيراد شبهة خيالية عليه ، وهو قوله : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق } . وهذا لأن كل واحد من المثالين يعجز عنه الملحد قطعا ، إلا أن المثال الثاني لا قدرة له ولا لغيره على إيراد شبهة خيالية عليه ، فإذن الدليل على أن الله قادر على ما يعجز مدعي الإلهية عنه ، والمثالان مشتركان في ذلك ، إلا أن المثال الأول أمكنه أن يبدي خيالا فاسدا عليه ، والثاني ليس كذلك .

                                                      والاستدلال بالمشترك بين المثالين وليس انتقالا أصلا .

                                                      وقال الأستاذ أبو منصور : ليس هذا انتقالا ، لأن خصمه لم يفهم دليله الأول ، وعارضه على إحياء الموتى بتركه قتل من يمكنه قتله . والحجة عليه باقية لعجزه عن إحياء من قد مات ، فلما تقررت هذه الحجة ألزمه حجة أخرى هي إلى فهم خصمه أقرب فقال : إن كنت إلها فاقلب الشمس في سيرها إلى طلوعها من مغربها إن كنت مجريها ، فاعترف خصمه عن جوابه في الحجة الثانية وكان في التحقيق منقطعا عن الجواب في الأولى قبل الثانية لو أنصف من نفسه . وقال الإمام في الأربعين " : الدليل كان شيئا واحدا وهو حدوث ما لا يقدر الإنسان على إحداثه ، فهو يدل على قادر آخر غير الخلق . ثم هذا المعنى له أمثلة الإحياء والإماتة وطلوع الشمس من مشرقها . فهذا كان انتقالا من مثال إلى مثال . أما الدليل فشيء واحد في الحالين .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية