الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويقلد هدي التطوع والمتعة والقران ) لأنه دم نسك ، وفي التقليد إظهاره وتشهيره فيليق به ( ولا يقلد دم الإحصار ولا دم الجنايات ) لأن سببها الجناية والستر أليق بها ، ودم الإحصار جابر فيلحق بجنسها . ثم ذكر الهدي ومراده البدنة لأنه لا يقلد الشاة عادة . ولا يسن تقليدها عندنا لعدم فائدة التقليد على ما تقدم ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله ودم الإحصار جابر فيلحق بجنسها ) أي بجنس الدماء الجابرة وهي دماء الجنايات فلا يقلدها هدي الإحصار كما لا يقلد هدي الجنايات ( قوله ومراده ) يعني أن قوله يقلد هدي التطوع والمتعة والقران عام أريد به الخصوص وهو البدنة فيدخل البقر دون الشاة ( قوله على ما تقدم ) يريد ما ذكره قبل باب القران من قوله وتقليد الشاة غير معتاد ، ولم يذكر هناك عدم الفائدة التي هي عدم الضياع ، فإن الغنم تضيع إذا لم يكن معها صاحبها .



[ فروع من ظاهر الرواية من الأصل مشروحة في المبسوط ] كل من وجب عليه دم من المناسك جاز له أن يشارك ستة نفر قد وجب الدماء عليهم وإن اختلفت أجناسها من دم متعة وإحصار وجزاء صيد وغير ذلك . ولو كان الكل من جنس واحد كان أحب إلي ، فإن اشترى بدنة لمتعة مثلا ثم اشترك فيها ستة بعدما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه ذلك لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا عليه قدر ما يجزي في هدي المتعة كان واجبا عليه ، وما زاد على ذلك وجب بإيجابه . وليس له أن يبيع شيئا مما أوجبه هديا ، فإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن ، وإن كان نوى أن يشترك معه فيها ستة نفر أجزأته لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء ، فإن لم تكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى أشرك الستة جاز ، والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة في الابتداء ، وإذا ولدت البدنة بعدما اشتراها لهديه ذبح ولدها معها لأنه جعلها لله تعالى خالصة والولد جزء منها ثم انفصل بعدما سرى إليه حق الله تعالى فعليه أن يذبحه معها .

ولو باع الولد فعليه قيمته ، فإن اشترى بها هديا فحسن ، وإن تصدق بها فحسن اعتبارا للقيمة بالولد ، فإن الأفضل أن يذبح ، ولو تصدق به كذلك أجزأ فكذلك بالقيمة ، وإذا مات أحد الشركاء فرضي وارثه أن ينحرها معهم عن الميت أجزأهم استحسانا [ ص: 168 ] وفي القياس لا يجزيهم لأن الميت لم يوص به فقد انقطع حق القربة عن نصيبه فصار ميراثا ، وهذا التقرب تقرب بطريق الإتلاف وذلك لا يجوز عن الميت إلا بأمره كالعتق ولكنه استحسن فقال : يجوز لأن المقصود هو التصدق وتقرب الوارث بالتصدق عن الميت صحيح بلا إيصاء ، فكذا تقربه بإبقاء ما قصد المورث بنصيبه بإراقة الدم والتصدق به يكون صحيحا ، ولو كان أحد الشركاء كافرا أو مسلما يريد به اللحم دون الهدي لم يجزهم لأن الإراقة واحدة ، فلا يتصور أن يجتمع فيها القربة وعدمها ، وأي الشركاء نحرها يوم النحر أجزأ عن الكل .



وإذا غلط رجلان فذبح كل منهما هدي صاحبه أجزأهما استحسانا لا في القياس لأن كلا غير مأمور من جهة الآخر فصار ضامنا ، لكنه استحسن فقال : كل مأذون فيما صنع دلالة لأن صاحب الهدي يستعين بكل أحد عادة فكان كالإفصاح بالإذن ويأخذ كل منهما هديه من صاحبه .

وعن أبي يوسف : كل منهما بالخيار بين أن يأخذ من صاحبه هديه ، وبين أن يضمنه فيشتري بالقيمة هديا آخر يذبحه في أيام النحر وإن كان بعدها تصدق بالقيمة ، وجميع ما ذكرناه في الهدي مثله في الأضحية .



ومن اشترى هديا فضل فاشترى مكانه آخر وأوجبه ثم وجد الأول ، فإن نحرهما فهو أفضل ، وإن نحر الأول وباع الثاني جاز لأن الثاني لم يكن واجبا عليه ، وإن باع الأول وذبح الثاني أجزأه إلا أن تكون قيمة الأول أكثر فيتصدق بالفضل . وهدي المتعة والتطوع في هذا سواء لأنهما صارا لله تعالى إذ جعلهما هديا في الوجهين جميعا



وإن ساق بدنة لا ينوي بها الهدي قال : إن كان ساقها إلى مكة فهي هدي ، وأراد بهذا إذا قلدها وساقها لأن هذا لا يفعل عادة إلا بالهدي فكان سوقها بعد إظهار علامة الهدي عليها بمنزلة جعله إياها بلسانه هديا .




الخدمات العلمية