الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في إضافة الطلاق إلى السنة والبدعة ، تنجيزا أو تعليقا ، وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        الأولى : قال لحائض أو نفساء : أنت طالق للبدعة طلقت في الحال ، وإن قال للسنة ، لم تطلق حتى تشرع في الطهر ، ولا يتوقف على الاغتسال ، ولو وطئها في آخر الحيض [ ص: 10 ] واستدام حتى انقطع الحيض ، لم تطلق لاقتران الطهر بالجماع ، وكذا لو لم يستدم إذا قلنا بالأصح أنه إذا وطئ في الحيض ثم طلق في الطهر يكون بدعيا .

                                                                                                                                                                        الثانية : قال لطاهر : أنت طالق للسنة ، فإن لم يكن جامعها في ذلك الطهر ، طلقت في الحال ، وإن جامعها فيه ، لم يقع حتى تحيض ثم تطهر . وإن قال لها : أنت طالق للبدعة ، فإن كان جامعها في ذلك الطهر ، طلقت في الحال ، وإلا فعند الحيض . قال المتولي : ويحكم بوقوع الطلاق بظهور أول الدم . فإن انقطع لدون يوم وليلة ، بان أنها لم تطلق ويشبه أن يجيء فيه الخلاف المذكور ، فيما إذا قال : إن حضت فأنت طالق ، أنها هل تطلق برؤية الدم أم بمضي يوم وليلة ؟ ولو جامعها قبل الحيض ، فبتغييب الحشفة تطلق ، فعليه النزع ، فإن نزع وعاد ، فهو كابتداء الوطء بعد الطلاق ، وإن استدام ، فإن كان الطلاق رجعيا ، فلا حد وإن كان ثلاثا ، فلا حد أيضا ، لأن أوله مباح . وقيل : إن كان عالما بالتحريم ، حد ، وهل يجب المهر ؟ حكمه حكم من قال : إن وطئتك فأنت طالق فغيب الحشفة ثم استدام ، وقد ذكرنا هذه الصورة في كتاب الصوم ، وبينا أن المذهب فيها أنه لا مهر ، لأن النكاح تناول جميع الوطآت ، وادعى صاحب " العدة " أن المذهب هنا الوجوب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اللام في قوله : أنت طالق للسنة أو للبدعة ، تحمل على التوقيت ، فلا تطلق إلا في حال السنة أو البدعة ، لأنهما حالتان منتظرتان تتعاقبان تعاقب الأيام والليالي وتتكرران تكرر الشهور ، فأشبه قوله : أنت طالق لرمضان معناه : إذا جاء رمضان ، أنت طالق ، وأما اللام الداخلة على ما لا يتكرر مجيئه وذهابه ، فللتعليل ، كقوله : أنت طالق لفلان ، أو لرضى فلان ، فتطلق في الحال ، رضي أم سخط [ ص: 11 ] والمعنى : فعلت هذا لترضى ، وقال ابن خيران : إنما يقع في الحال إذا نوى التعليل ، فإن لم تكن له نية ، لم تطلق حتى يرضى ، والأول هو الصحيح المنصوص ، ونزل ذلك منزلة قول السيد : أنت حر لوجه الله تعالى . وحيث يحمل على التعليل ، فلو قال : أردت التوقيت ، قبل باطنا ، ولا يقبل ظاهرا على الأصح .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق بقدوم زيد أو برضاه ، فهو تعليق ، كقوله : إن قدم أو رضي ، وحيث حملنا قوله للسنة أو للبدعة على الحالة المنتظرة ، فقال : أردت الإيقاع في الحال ، قبل ، لأنه غير متهم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قوله : أنت طالق لا للسنة ، كقوله : للبدعة ، وقوله : لا للبدعة ، كقوله للسنة ، وقوله : سنة الطلاق ، أو طلقة سنية ، كقوله للسنة ، وقوله : بدعة الطلاق ، أو طلقة بدعية ، كقوله للبدعة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : إن كان يقع عليك في هذا الوقت طلاق السنة ، فأنت طالق ، فإن كانت في حال السنة ، طلقت ، وإلا فلا تطلق ، لا في الحال ، ولا إذا صارت في حال السنة ، لعدم الشرط ، وكذا لو قال : أنت طالق للسنة إن قدم فلان وأنت طاهر ، فإن قدم وهي طاهر ، طلقت للسنة ، وإلا فلا تطلق لا في الحال ، ولا إذا طهرت .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جميع ما ذكرنا ، إن كانت المخاطبة بالسنة والبدعة ذات سنة وبدعة ، فأما إذا قال لصغيرة ممسوسة ، أو لصغيرة أو كبيرة غير ممسوسة : أنت طالق للسنة ، [ ص: 12 ] فيقع في الحال ، واللام هنا للتعليل ، لعدم تعاقب الحال كقوله : لرضى زيد . ولو قال : للبدعة ، وقع في الحال على الصحيح ، لما ذكرنا . وحكى الشيخ أبو علي وجها أنه يحمل على التوقيت ، وينتظر زمن البدعة ، بأن تحيض الصغيرة ، ويدخل بالكبيرة أو تحيض . وعن ابن الوكيل ، أن الطلاق لا يقع مطلقا لتعليقه بما لا يتصور ، كقوله : إن صعدت السماء ، وهذا يطرد في قوله : للسنة .

                                                                                                                                                                        ولو صرح بالوقت فقال : أنت طالق لوقت السنة ، أو لوقت البدعة ، قال في " البسيط " : إن لم ينو شيئا ، فالظاهر وقوع الطلاق في الحال ، وإن قال : أردت التوقيت بمنتظر ، فيحتمل أن يقبل لتصريحه بالوقت ولا نقل فيه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة ، وقع في الحال ، سواء كانت ذات سنة وبدعة ، أم لا ، لأنها إن لم تكن ، فحالها ما ذكر ، وإن كانت ، فالوصفان متنافيان فسقطا ، وكذا لو قال : طلقة سنية بدعية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لذات سنة وبدعة في حال البدعة : أنت طالق طلاقا سنيا ، أو في حال السنة أنت طالق طلاقا بدعيا ، ونوى الوقوع في الحال ، قال المتولي : لا يقع في الحال ، لأن النية إنما تعمل فيما يحتمله اللفظ ، لا فيما يخالف صريحا ، وإذا تنافيا ، لغت النية ، وعمل باللفظ لأنه أقوى .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق الآن سنيا وهو في زمن بدعة ، طلقت في الحال عملا بالإشارة إلى الوقت ، ويلغو اللفظ .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية