الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3466 [ ص: 183 ] 166 - حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب، يعني الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم. وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر " ورجاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واقع محقق، وفيه أقوى دليل على فضيلة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وأبو اليمان الحكم بن نافع.

                                                                                                                                                                                  والحديث مر في كتاب الصوم في باب الريان للصائمين من طريق آخر عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، ومر الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: " في سبيل الله " أي: في طلب ثواب الله وهو أعم من الجهاد وغيره. قوله: " هذا خير " يعني فاضل لا بمعنى أفضل وإن كان اللفظ يحتمل ذلك. قوله: " باب الريان " بدل أو بيان عما قبله، وذكر هنا أربعة أبواب من أبواب الجنة وقال بعضهم، وتقدم في أوائل الجهاد أن أبواب الجنة ثمانية، وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. رواه أحمد عن روح بن عبادة عن الأشعث، عن الحسن مرسلا: " إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة ". ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب. وأما الثالث فلعله باب الذكر؛ فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم. انتهى. قلت: ما فيه من طريق الظن والحسبان ولا تنحصر الأبواب التي أعدت للدخول منها لأصحاب الأعمال الصالحة من أنواع شتى، وليس المراد منه الأبواب الثمانية التي دل القرآن على أربعة منها، والحديث على أربعة أخرى، وإنما المراد من تلك الأبواب هي الأبواب التي هي في داخل الأبواب الثمانية. قوله: " ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب " أي: من أحد تلك الأبواب، وفيه إضمار، وهو من توزيع الأفراد على الأفراد؛ لأن الجمع والموصول كلاهما عامان، وكلمة ما للنفي. قوله: " من ضرورة " أي: من ضرر، والمقصود دخول الجنة فلا ضرر لمن دخل من أي باب دخلها، (فإن قلت): روى مسلم من حديث عمر: " من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله - الحديث - فتحت له أبواب الجنة يدخلها من أيها شاء ". قلت: لا منافاة بينه وبين ما تقدم وإن كان ظاهره المعارضة؛ لأنه يفتح له أبواب الجنة على سبيل التكريم، ثم عند دخوله لا يدخل إلا من باب العمل الذي يكون أغلب عليه. والله أعلم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية