الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثاني : في بيان حقيقة المدعي والمدعى عليه

                                                                                                                وأصله قوله :

                                                                                                                لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فليس كل طالب [ ص: 8 ] مدعيا ، بل قد يكون مدعى عليه كاليتيم إذا بلغ ، وادعى عدم قبض ماله تحت يد الوصي ، فإنه مدع ، عليه البينة ، وطالب الوديعة التي سلمها ببينة مدعى عليه ، ولا يقبل قول المطلوب المودع إلا ببينة أن الوصي ما يؤمنه الله في الدفع لأمره إياه فيه بالإشهاد ، والمودع لم يؤمن المودع عنده ، لأنه أشهد عليه عند الدفع ، فقد أمنه على الحفظ دون الرد ، ونظائره كثيرة ، فلذلك قال الأصحاب : المدعي من خالف قوله أصلا ، كدعوى الدين أو عرفا كالوديعة المشهود بها ، فإن العادة : أن من أشهد عليه لا يعطي إلا ببينة ، والمدعى عليه من وافق قوله أصلا أو عرفا ، وقيل : المدعي هو أضعف المتداعيين سببا ، والمدعى عليه هو أقوى المتداعيين سببا ، وهو راجع إلى الأول ، فاليمين أبدا من جهة المدعى عليه ، والبينة على المدعي ، ليكون هذا شأنك في الترجيح بالعوائد وما يشبه من الأثمان وظواهر الأحوال وهي أمور غير منحصرة ، فمن رجح بواحد منها فهو المدعي ، غير أنه قد أجمعت الأمة على أن الطالح إذا ادعى على الصالح فلسا أو بالعكس ، فإن الثاني مصدق منهما كائنا من كان ، ولا يصدق الصالح على الطالح ولو وصل الصالح إلى أقصى مراتب الصلاح ، والآخر إلى أقصى مراتب الكذب والفساد ، بل المرجحات تفتقر إلى دليل شرعي يدل على اعتبارها ، وبهذا ينتقض قول الأصحاب : المدعي من خالف قوله عرفا أو أصلا ، فإن الفاسق إذا كذب الصديق في دعوى الفلس ، العادة تكذبه مع أنه مدعى عليه إجماعا ، فاعلم ذلك .

                                                                                                                تنبيه : قال بعض العلماء : اختلاف العلماء في تقديم الأصل على الغالب ليس على إطلاقه ، فقد انعقد الإجماع على تقديم الأصل على الغالب في هذه الصورة ، وعلى تقديم الغالب على الأصل في البينة ، لأن غالبهما الصدق ، والأصل : براءة ذمة المشهود عليه ، والبينة مقدمة إجماعا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية