الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  حقوق الجوار

                                                                  اعلم أن الجوار يقتضي حقا وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام ، فيستحق الجار المسلم ما يستحق كل مسلم وزيادة ؛ إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الجيران ثلاثة جار له حق واحد ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق ؛ فالجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم ذو الرحم فله حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم ، وأما الذي له حقان فالجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام ، وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك " فانظر كيف أثبت للمشرك حقا بمجرد الجوار ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره " . وكان " أبو هريرة " رضي الله عنه يقول : " ما لي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمينها بين أكتافكم " . وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك ، وقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها " فقال - صلى الله عليه وسلم - : " هي في النار " وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أربعون دارا جار " قال " الزهري " : يعني أربعين عن يمينه ويساره وخلفه وبين يديه . واعلم أنه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى ، بل لا بد فوقه من الرفق وإسداء الخير والمعروف ، وحكي أن " ابن المقفع " ، بلغه أن جارا له يبيع داره في دين ركبه وكان يجلس [ ص: 149 ] في ظل داره فقال : " ما قمت إذا بحرمة ظل داره إن باعها معدما " فدفع إليه ثمن الدار وقال : " لا تبعها " . وجملة حق الجار أن يبدأ بالسلام ، ولا يكثر عن حاله السؤال ، ويعوده في المرض ، ويعزيه في المصيبة ، ويقوم معه في العزاء ، ويهنئه في الفرح ، ويظهر الشركة في السرور معه ، ويصفح عن زلاته ، ولا يطلع من السطح إلى عوراته ، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره ، ولا يضيق طريقه إلى الدار ، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره ، ويستر ما ينكشف له من عوراته ، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة ، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته ، ولا يسمع عليه كلاما ، ويغض بصره عن حرمته ، ولا يديم النظر إلى خادمته ويتلطف لولده في كلمته ، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه . هذا إلى جملة الحقوق التي ذكرناها لعامة المسلمين .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية