الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : فما استيسر من الهدي قال أبو بكر : قد اختلف السلف في ذلك ، فروي عن عائشة وابن عمر أنهما قالا : " لا يكون الهدي إلا من الإبل والبقر " . وقال ابن عباس شاة " . واختلف فقهاء الأمصار فيه ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك والشافعي : " الهدي من الأصناف الثلاثة : الإبل والبقر والغنم " وهو قول ابن شبرمة ، قال ابن شبرمة : " والبدن من الإبل خاصة " . وقال أصحابنا والشافعي : " من الإبل والبقر " . واختلفوا في السن ، فقال أصحابنا والشافعي : " لا يجزي في الهدي من الإبل والبقر والغنم إلا الثني فصاعدا إلا الجذع من الضأن فإنه يجزي " . وقال مالك : " لا يجزي من الهدي إلا الثني فصاعدا " . وقال الأوزاعي : " يهدي الذكور من الإبل ، ويجوز الجذع من الإبل والبقر ، ويجزي كل واحد منهما عن سبعة " .

قال أبو بكر : الهدي اسم لما يهدى إلى البيت على وجه التقرب به إلى الله تعالى ، وجائز أن يسمى به ما يقصد به الصدقة وإن لم يهد إلى البيت ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم المبكر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي شاة ، ثم الذي يليه كالمهدي دجاجة ، ثم الذي يليه كالمهدي بيضة فسمى الدجاجة [ ص: 339 ] والبيضة هديا وإن لم يرد به إهداءه إلى البيت ، وإنما أراد به الصدقة وإخراجها مخرج القربة ؛ ولذلك قال أصحابنا فيمن قال : " لله علي أن أهدي ثوبي هذا أو داري هذه " أن عليه أن يتصدق به . واتفق الفقهاء على أن ما عدا هذه الأصناف الثلاثة من الإبل والبقر والغنم ليس من الهدي المراد بقوله فما استيسر من الهدي واختلفوا فيما أريد به منها على ما ذكرنا ؛ وظاهر الآية يقتضي دخول الشاة فيه لوقوع الاسم عليها ؛ ولم يختلفوا في معنى قوله : هديا بالغ الكعبة أن الشاة منه وأنه يكون هديا في جزاء الصيد وروى إبراهيم عن الأسود عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى غنما مرة .

وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : كان فيما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنم مقلدة .

فإن قيل : الرواية عن عائشة في هدي الغنم لا يصح ؛ لأن القاسم قد روى عنها أنها كانت لا ترى الغنم مما يستيسر من الهدي . قيل له : إنما معناه أنه لا يصير محرما بها وأن هدي الإبل والبقر يوجب الإحرام إذا أراده وقلدهما ، وأما اعتبار الثني فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي بردة بن نيار حين ضحى قبل الصلاة ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادتها ، فقال : عندي جذعة من المعز خير من شاتي لحم ، فقال : تجزي عنك ولا تجزي عن أحد بعدك فمنع الجذع في الأضحية ؛ والهدي مثلها ؛ لأن أحدا لم يفرق بينهما . وإنما أجازوا الجذع من الضأن لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بأن يضحى بالجذع من الضأن إذا فرض له ستة أشهر وقد بينا ذلك في شرح المختصر

وقد اختلفوا في جواز الشركة في دم الهدايا الواجبة ، فقال أصحابنا والشافعي : " تجوز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " . وقال مالك : " يجوز ذلك في التطوع ولا يجزي في الواجب " .

وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه جعل يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وتلك كانت واجبة ؛ لأنها كانت عن إحصار . ولما اتفقوا على جوازها عن سبعة في التطوع كان الواجب مثله ؛ لأنهما لا يختلفان في الجواز في سائر الوجوه ؛ ويدل عليه قوله : فما استيسر من الهدي ظاهره يقتضي التبعيض ، فوجب أن يجزي بعض الهدي بحق الظاهر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية