الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب الوضوء بماء البحر

                                                                      83 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته

                                                                      التالي السابق


                                                                      باب الوضوء بماء البحر

                                                                      وهو الماء الكثير أو المالح فقط وجمعه بحور وأبحر وبحار ، وأشار بهذا الرد على من قال بكراهة الوضوء بماء البحر كما نقل عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

                                                                      ( وهو من بني عبد الدار ) : أي المغيرة ( سأل رجل ) : وقع في بعض الطرق التي ذكرها الدارقطني أن اسم السائل عبد الله المدلجي وكذا ساقه ابن بشكوال وأورده الطبراني فيمن اسمه عبد وتبعه أبو موسى فقال عبد أبو زمعة البلوي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر .

                                                                      قال ابن معين بلغني أن اسمه عبد وقيل اسمه عبيد بالتصغير .

                                                                      وقال [ ص: 125 ] السمعاني في الأنساب اسمه العركي وغلط في ذلك وإنما العركي وصف له وهو ملاح السفينة .

                                                                      قال أبو موسى وأورده ابن منده في من اسمه عركي ، والعركي هو الملاح ، وليس هو اسما والله أعلم . كذا في التلخيص .

                                                                      قلت : وكذا وقع في رواية الدارمي ولفظه قال : أتى رجل من بني مدلج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنا نركب البحر ) : الملح وهو مالح ومر وريحه منتن ، زاد الحاكم نريد الصيد ( به ) : أي بالماء القليل الذي نحمله ( عطشنا ) : بكسر الطاء لقلة الماء وفقده ( أفنتوضأ بماء البحر ) : فإن قيل كيف شكوا في جواز الوضوء بماء البحر قلنا يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا . أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا ظنوا أنه لا يجزئ التطهير به ، وقد روي موقوفا على ابن عمر بلفظ : ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة ، إن تحت البحر نارا ثم ماء ، ثم نارا حتى عد سبعة أبحر وسبع نيران .

                                                                      وروي أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا يجزئ التطهير به ولا حجة في أقوال الصحابة إذا عارضت المرفوع والإجماع .

                                                                      وحديث ابن عمر المرفوع ، قال أبو داود رواته مجهولون . وقال الخطابي ضعفوا إسناده ، وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح ، وقال أبو بكر بن العربي إنما توقفوا عن ماء البحر لأحد وجهين إما لأنه لا يشرب وإما لأنه طبق جهنم وما كان طبق سخط لا يكون طريق طهارة ورحمة ( هو ) : أي البحر ويحتمل في إعرابه أربعة أوجه .

                                                                      الأول : أن يكون هو مبتدأ والطهور مبتدأ ثان خبره ماؤه والجملة خبر المبتدأ الأول .

                                                                      والثاني : أن يكون هو مبتدأ خبره الطهور وماؤه بدل اشتمال .

                                                                      والثالث : أن يكون هو ضمير الشأن والطهور ماؤه مبتدأ وخبر

                                                                      والرابع : أن يكون هو مبتدأ والطهور خبر وماؤه فاعله .

                                                                      قاله ابن دقيق العيد ( الطهور ماؤه ) : بفتح الطاء هو المصدر واسم ما يتطهر به أو الطاهر المطهر كما في القاموس وهاهنا بمعنى المطهر لأنهم سألوه عن تطهير مائه لا عن طهارته وضمير ماؤه يقتضي أنه أريد بالضمير في قوله هو الطهور البحر ، إذ لو أريد به الماء لما احتيج إلى قوله ماؤه ، إذ يصير في معنى الماء طهور ماؤه وفي بعض لفظ الدارمي فإنه الطاهر ماؤه ( الحل ) : هو [ ص: 126 ] مصدر حل الشيء ضد حرم ولفظ الدارمي والدارقطني الحلال ( ميتته ) : بفتح الميم ما مات فيه من حيوان البحر ولا يكسر ميمه والحل عطف على الطهور ماؤه .

                                                                      ووجه إعرابه ما تقدم في الجملة السابقة .

                                                                      والحديث فيه مسائل الأولى : أن ماء البحر طاهر ومطهر ، الثانية : أن جميع حيوانات البحر أي ما لا يعيش إلا بالبحر حلال ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد ، قالوا ميتات البحر حلال وهي ما خلا السمك حرام عند أبي حنيفة وقال المراد بالميتة السمك كما في حديث " أحل لنا ميتتان السمك والجراد " ويجيء تحقيقه في موضعه إن شاء الله تعالى ، الثالثة : أن المفتي إذا سئل عن شيء وعلم أن للسائل حاجة إلى ذكر ما يتصل بمسألته استحب تعليمه إياه لأن الزيادة في الجواب بقوله الحل ميتته لتتميم الفائدة وهي زيادة تنفع لأهل الصيد وكأن السائل منهم ، وهذا من محاسن الفتوى .

                                                                      قال الحافظ ابن الملقن : إنه حديث عظيم أصل من أصول الطهارة مشتمل على أحكام كثيرة وقواعد مهمة .

                                                                      قال الماوردي في الحاوي قال الحميدي قال الشافعي هذا الحديث نصف علم الطهارة .

                                                                      قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ، وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث صحيح قال البيهقي وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم بن الحجاج في الصحيح لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة ; انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية