الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لكن قد بين هؤلاء، كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى، وغيرهما الكلام على هذا الأصل. وهو امتناع وجود ما لا يتناهى في موضع آخر، فجعلوا الكلام في إبطال ما لا يتناهى من الحوادث، والأجزاء التي هي الجواهر المفردة، ونحو ذلك جنسا.

ومنهم من يجعل ذلك دليلا ثابتا في المسألة، كما فعله ابن عقيل والقشيري وغيرهما.

وقد ذكرنا: أن الناس لهم في وجود ما لا يتناهى في الماضي والمستقبل ثلاثة أقوال، قال بكل قول طائفة من نظار المسلمين وغيرهم.

أحدها: امتناع وجود ما لا يتناهى في الماضي والمستقبل. وهذا قول أبي الهذيل والجهم بن صفوان. وعن هذا الأصل قال الجهم بفناء الجنة والنار، واشتد إنكار سلف الأمة عليه ذلك.

وليس هذا قول من يقول بأنهما ليستا مخلوقتين، ولو كانتا مخلوقتين لفنيتا. كما قال ذلك طائفة من الجهمية والمعتزلة، فإن هؤلاء يقولون: إن [ ص: 346 ] العالم كله لا بد أن يفنى جميعه ثم يعاد، فلو كانت الجنة مخلوقة لفنيت فيما يفنى، ثم تعاد فلا تفنى،والجهم يقول: تفنى فناء لا تعاد بعده، وأبو الهذيل يقول: تفنى حركات أهل الجنة والنار.

والقول الثاني: قول من يقول بامتناع ما لا يتناهى في الماضي دون المستقبل، لأن الماضي قد وجد، والمستقبل لم يوجد بعد. وهو قول أكثر المعتزلة والأشعرية والكرامية ومن وافقهم.

والثالث: قول من يقول بإمكان وجود ما لا يتناهى في الماضي والمستقبل كما هو قول أئمة أهل الملل وأئمة الفلاسفة.

لكن أئمة أهل الملل وغيرهم ممن يقر بأن الله خالق كل شيء، وأن كل ما سواه محدث مسبوق بعدم - يقولون: لا يجوز وجود حوادث لا تتناهى إلا من قديم واحد. وأما من يقول بوجود قديمين متحركين، كمن يقول بقدم الأفلاك، فإن هؤلاء - كأرسطو وأتباعه - لا يجوزون أن يوجد بكل من القديمين - بل والقدماء - حوادث لا بداية لها ولا نهاية، مع أن إحداهما أكثر من الأخرى، فيجوزون فيما لا أول له ولا آخر أن يكون غيره أكثر منه، وأن يكون قابلا للزيادة، بخلاف الذين قبلهم، فإنهم إنما يجوزون ذلك في قديم واحد، فإذا كان ما يفعله لا بداية له ولا نهاية، لم يلزم أن يكون قابلا للزيادة.

التالي السابق


الخدمات العلمية