الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك بني إسرائيل ، يقول لهم جل ثناؤه : لئن أقمتم الصلاة ، أيها القوم الذين أعطوني ميثاقهم بالوفاء بطاعتي واتباع أمري ، وآتيتم الزكاة ، وفعلتم سائر ما وعدتكم عليه جنتي "لأكفرن عنكم سيئاتكم" ، [ ص: 123 ] يقول : لأغطين بعفوي عنكم - وصفحي عن عقوبتكم ، على سالف أجرامكم التي أجرمتموها فيما بيني وبينكم - على ذنوبكم التي سلفت منكم من عبادة العجل وغيرها من موبقات ذنوبكم

"ولأدخلنكم" مع تغطيتي على ذلك منكم بفضلي يوم القيامة "جنات تجري من تحتها الأنهار" .

ف"الجنات" البساتين .

وإنما قلت معنى قوله : "لأكفرن" لأغطين ، لأن "الكفر" معناه الجحود ، والتغطية ، والستر ، كما قال لبيد :


في ليلة كفر النجوم غمامها



يعني : "غطاها" ، ف"التكفير" "التفعيل" من "الكفر" .

واختلف أهل العربية في معنى"اللام" التي في قوله : "لأكفرن" .

فقال بعض نحويي البصرة : "اللام" الأولى على معنى القسم يعني"اللام" التي في قوله : "لئن أقمتم الصلاة" قال : والثانية معنى قسم آخر .

وقال بعض نحويي الكوفة : بل "اللام" الأولى وقعت موقع اليمين ، فاكتفي بها عن اليمين يعني ب"اللام الأولى" : "لئن أقمتم الصلاة" . قال : و"اللام" الثانية يعني قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" جواب لها ، يعني"اللام" التي في قوله : "لئن أقمتم الصلاة" واعتل لقيله ذلك بأن قوله : "لئن أقمتم الصلاة" [ ص: 124 ] غير تام ولا مستغن عن قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" . وإذ كان ذلك كذلك ، فغير جائز أن يكون قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" قسما مبتدأ ، بل الواجب أن يكون جوابا لليمين إذ كانت غير مستغنية عنه .

وقوله : ( تجري من تحتها الأنهار ) يقول : تجري من تحت أشجار هذه البساتين التي أدخلكموها الأنهار .

التالي السابق


الخدمات العلمية