الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1619 [ 842 ] وعن عائشة : ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا : بلى . قالت : لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي انقلب فوضع رداءه ، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه ، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع ، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت ، فأخذ رداءه رويدا ، وانتعل رويدا ، وفتح الباب رويدا فخرج ، ثم أجافه رويدا ، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ، ثم انطلقت على إثره ، حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ، ثم رفع يديه ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفت ، فأسرع وأسرعت ، فهرول فهرولت ، فأحضر فأحضرت ، فسبقته فدخلت ، فليس إلا أن اضطجعت فدخل ، فقال : ما لك يا عائش حشيا رابية ؟! قالت : قلت : لا بي شيء . قال : أتخبريني؟ أو ليخبرني اللطيف الخبير ؟ قالت : قلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ! فأخبرته ، قال : فأنت السواد الذي رأيته أمامي ؟ قلت : نعم . فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ، ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ قالت : مهما يكتم الناس يعلمه الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن جبريل - عليه السلام - أتاني حين رأيت فناداني ، فأخفاه منك ، فأجبته ، فأخفيته منك ، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك ، وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك ، وخشيت أن تستوحشي ، فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ! قالت : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون .

                                                                                              وفي رواية : أسأل الله لنا ولكم العافية .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 221) ، ومسلم (974) 103 و (975) ، والنسائي (7 \ 72 - 73) ، وابن ماجه (1546) مختصرا .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول عائشة " فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت " ; أي مقدار ذلك ، و" رويدا " أي مترفقا متمهلا لئلا ينبهها ، وهو مصدر في موضع الحال .

                                                                                              وقولها " ثم أجافه رويدا " ; أي أغلقه بلطف لئلا تعلم بخروجه وبقائها في الليل وحدها فتستوحش وتذعر ، وظاهر خروجها خلفه إنما كان لأنها ظنت خروجه إلى بعض أزواجه .

                                                                                              والبقيع : هو بقيع الغرقد ، وهو مدفن أهل المدينة ، والغرقد : شجر العوسج . ومعنى " انحرف " مال للرجوع ، والهرولة فوق الإسراع ، والإحضار فوق الهرولة ، وكلها مراتب الجري .

                                                                                              [ ص: 635 ] وقوله “ ما لك يا عائش حشيا رابية ؟ " ، عائش : منادى مرخم ، وحشيا رابية : وقع بها الربو ، وهو البهر الذي يلحق من الجري . قال الهروي : يقال منه امرأة حشيا وحشية ، ورجل حشيان وحش .

                                                                                              وقولها في جوابها " لا بي شيء " قيد الأسدي هذا الحرف " لأي شيء ؟ " بالياء باثنتين وخفض " شيء " على الاستفهام تغطية لحالها ، كأنها تقول : لأي شيء تسأل ؟ ورواه العذري " لا بي شيء " بالباء الواحدة ورفع " شيء " على أن تكون لا بمعنى ليس ; أي : ليس بي شيء - وهي روايتنا ، وفي بعض النسخ " لا شيء " ، وهي أقربها .

                                                                                              و " السواد " : الشخص . و " لهدني " : ضربني ودفعني . قال ابن القوطية : لهدته لهدا دفعته ، وألهدت به قصرت به .

                                                                                              وقوله " أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ " ; أي يجور ، وهذا يؤيد أنها ظنت أن قد سار إلى بعض أهله .

                                                                                              وقوله " أمرت أن آتي أهل البقيع وأستغفر لهم " يدل على أنه دعا لأهل البقيع واستغفر ، وأن هذا هو الذي عبر عنه في الرواية الأخرى " يصلي " ، وقد [ ص: 636 ] قيل : إنه صلى عليهم صلاته على الجنازة ، ويؤيد هذا القول أنه قد جاء في حديث مالك " فأصلي عليهم " .

                                                                                              وقولها " فقام فأطال القيام ، ثم رفع يديه ثلاث مرار " ، ثم الذي يقول بهذا يرى أن ذلك خصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والأول أظهر ، وهذا محتمل .

                                                                                              وقوله " السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين " هذا يدل على أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء خلافا لمن قال : إن تحية الميت : عليك السلام - بتقديم عليك السلام ، تمسكا بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم رجل عليه فقال : عليك السلام يا رسول الله ! فقال : لا تقل عليك السلام ; فإن عليك السلام تحية الميت . وهذا لا حجة فيه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كره منه أن يبدأ بعليك السلام ; لأنه كذلك كانت تحية الجاهلية للموتى ، كما قال شاعرهم :

                                                                                              عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما



                                                                                              ومقصوده - صلى الله عليه وسلم - أن سلام المؤمنين على الأحياء والموتى مخالف لما كانت الجاهلية تفعله وتقوله ، والله أعلم .

                                                                                              وقد تقدم قوله " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " في الطهارة .

                                                                                              وفي إسناد هذا الحديث قال ابن جريج : أخبرني عبد الله رجل من قريش ، عن محمد بن قيس بن [ ص: 637 ] مخرمة - هذا الرجل هو عبد الله بن أبي مليكة على ما قاله النسائي وأبو نعيم الجرجاني وأبو بكر وأبو عبد الله الجيزي . وقال الدارقطني : هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي .




                                                                                              الخدمات العلمية