الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال وكان يتيما في حجر عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج

                                                                                                          وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك

                                                                                                          قال مالك وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          748 740 - ( مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال ) مالك ( وكان يتيما في حجر عروة بن الزبير ) ولذا اشتهر بيتيم عروة ، ( عن عروة بن الزبير ) بن العوام ( عن ) خالته ( عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ) ، واستمر عليه إلى أن تحلل منه بمنى ، ولم يعتمر تلك السنة كما قيل ، وهو مقتضى من رجح أنه كان مفردا كما في الفتح ، وأعاد الإمام هذا الحديث مختصرا كأنه لأنه سمعه من أبي الأسود بالوجهين ، وأخرجه النسائي عن قتيبة وابن ماجه عن أبي مصعب عن مالك به مختصرا .

                                                                                                          فإن قيل : كيف اختلف الصحابة في صفة حجه صلى الله عليه وسلم وهي حجة واحدة وكل واحد منهم يخبر عن مشاهدة في قصة واحدة ؟ قال عياض : أجاب الطحاوي وابن جرير ثم ابن عبد الله محمد بن أبي صفرة ثم المهلب أخوه وابن المرابط وابن القصار وابن عبد البر وغيرهم بما ملخصه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للناس فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جميعها ، إذ لو أمر بواحد لظن أن غيره لا يجزي ، فأضيف الجميع إليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما لأمره به وإما لتأويله عليه .

                                                                                                          وأما إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذ بالأفضل فأحرم مفردا بالحج وبه تظاهر الروايات الصحيحة .

                                                                                                          وأما الروايات بأنه كان متمتعا فمعناها أمر به .

                                                                                                          وأما الروايات بأن كان قارنا فليس إخبارا عن ابتداء إحرامه بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدي فكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه هدي في آخر إحرامهم قارنين بمعنى أنهم أدخلوا العمرة على الحج ، وفعل ذلك مواساة لأصحابه وتأنيسا لهم في فعلها في أشهر الحج لأنها كانت منكرة عندهم في أشهره ، ولم يمكنه التحلل معهم بسبب الهدي ، واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم [ ص: 377 ] فصار صلى الله عليه وسلم قارنا في آخر أمره .

                                                                                                          واتفق الجمهور على جواز إدخال الحج على العمرة ، وشذ بعض الناس فمنعه وقال : لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة .

                                                                                                          واختلف في إدخال العمرة على الحج فجوزه أصحاب الرأي وهو قول الشافعي لهذه الأحاديث ، ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ في أشهر الحج ، ومن قال كان متمتعا أي تمتع بفعل العمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج لأن التمتع يطلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت ، ولا يبعد رد ما ورد عن الصحابة من فعل مثل ذلك إلى مثل هذا مع الروايات الصحيحة أنهم أحرموا بالحج مفردا ، فالإفراد إخبار عن فعلهم أولا ، والقران إخبار عن إحرام الذين معهم هدي بالعمرة ثانيا ، والتمتع لفسخهم الحج إلى العمرة ثم إهلالهم بالحج بعد التحلل منها كما فعل كل من لم يكن معه هدي ، وقول بعض علمائنا أنه صلى الله عليه وسلم أحرم إحراما مطلقا منتظرا ما يؤمر به من إفراد أو قران أو تمتع ثم أمر بالحج ثم أمر بالعمرة معه في وادي العقيق بقوله : صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة لا يصح ؛ لأن رواية جابر وغيره صريحة بخلافه مع صحتها .

                                                                                                          وقال الخطابي : قد أنعم الشافعي في كتاب اختلاف الحديث وأجاد فقال ما ملخصه : معلوم في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر كالفاعل لحديث رجم صلى الله عليه وسلم ماعزا ، وقطع سارق رداء صفوان ، وإنما أمر بذلك ومثله كثير ، وكان الصحابة منهم المفرد والمتمتع والقارن كل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه ، فجاز أن تضاف كلها إليه صلى الله عليه وسلم على معنى أنه أمر بها وأذن فيها ، ويحتمل أن بعضهم سمعه يقول : لبيك بحجة ، فحكى أنه أفرد وخفي عليه قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع ، وسمع أنس وغيره الزيادة ولا ينكر قبولها ، وإنما يحصل التناقض لو كان الزائد نافيا لقول صاحبه ، فأما إذا أثبته وزاد عليه فلا تناقض ، ويحتمل أن الراوي سمعه يقول لغيره على وجه التعليم فيقول له قل : لبيك بحج وعمرة على سبيل التلقين ، فهذه الروايات المختلفة ظاهرا ليس فيها تناقض والجمع بينها سهل كما ذكرنا انتهى .

                                                                                                          وقيل : أهل أولا بالحج مفردا ثم استمر على ذلك إلى أن أمر أصحابه بأن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة وفسخ معهم ومنعه من التحلل من عمرته المذكورة سوق الهدي فاستمر معتمرا حتى أدخل الحج عليها حتى تحلل منهما جميعا ، وهذا يستلزم أنه أحرم بالحج أولا وآخرا وهو محتمل .

                                                                                                          ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل ) أحرم ( بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة ) يردفها عليه ، ( فليس له ذلك ) لضعفها وقوته .

                                                                                                          ( قال مالك : وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ) المدينة لأن أعمال العمرة داخلة في [ ص: 378 ] أعمال الحج فلا فائدة في إردافها عليه بخلاف عكسه فيستفيد به الوقوف والرمي والمبيت .




                                                                                                          الخدمات العلمية