الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى أتبع ذلك بأن مدحهم بصفات الثبوت فقال :

                                                                                                                                                                                                                                            ( وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قوله : ( وثبت أقدامنا ) يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى ، والمعتزلة يحملونه على فعل الألطاف .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : بين تعالى أنهم كانوا مستعدين عند ذلك التصبر والتجلد بالدعاء والتضرع بطلب الإمداد والإعانة من الله ، والغرض منه أن يقتدي بهم في هذه الطريقة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن من عول في تحصيل مهماته على نفسه ذل ، ومن اعتصم بالله فاز بالمطلوب ، قال القاضي : إنما قدموا قولهم : [ ص: 24 ] ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ) لأنه تعالى لما ضمن النصرة للمؤمنين ، فإذا لم تحصل النصرة وظهر أمارات استيلاء العدو ، دل ذلك ظاهرا على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين ؛ فلهذا المعنى يجب عليهم تقديم التوبة والاستغفار على طلب النصرة ، فبين تعالى أنهم بدءوا بالتوبة عن كل المعاصي وهو المراد بقوله : ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا ) فدخل فيه كل الذنوب ، سواء كانت من الصغائر أو من الكبائر ، ثم إنهم خصوا الذنوب العظيمة الكبيرة منها بالذكر بعد ذلك لعظمها وعظم عقابها وهو المراد من قوله : ( وإسرافنا في أمرنا ) لأن الإسراف في كل شيء هو الإفراط فيه ، قال تعالى : ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) [الزمر : 53] وقال : ( فلا يسرف في القتل ) [الإسراء : 33] وقال : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) [الأعراف : 31] ويقال : فلان مسرف إذا كان مكثرا في النفقة وغيرها ، ثم إنهم لما فرغوا من ذلك سألوا ربهم أن يثبت أقدامهم ، وذلك بإزالة الخوف عن قلوبهم ، وإزالة الخواطر الفاسدة عن صدورهم ، ثم سألوا بعد ذلك أن ينصرهم على القوم الكافرين ؛ لأن هذه النصرة لا بد فيها من أمور زائدة على ثبات أقدامهم ، وهو كالرعب الذي يلقيه في قلوبهم ، وإحداث أحوال سماوية أو أرضية توجب انهزامهم ، مثل هبوب رياح تثير الغبار في وجوههم ، ومثل جريان سيل في موضع وقوفهم ، ثم قال القاضي : وهذا تأديب من الله تعالى في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمحن سواء كان في الجهاد أو غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية