الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 134 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ( 13 ) )

قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله عز ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالعفو عن هؤلاء القوم الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليه من اليهود . يقول الله جل وعز له : اعف ، يا محمد ، عن هؤلاء اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل ، واصفح لهم عن جرمهم بترك التعرض لمكروههم ، فإني أحب من أحسن العفو والصفح إلى من أساء إليه .

وكان قتادة يقول : هذه منسوخة . ويقول : نسختها آية "براءة" : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية [ سورة التوبة : 29 ] .

11593 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "فاعف عنهم واصفح" ، قال : نسختها : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ) .

11594 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا همام ، عن قتادة : "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" ، ولم يؤمر يومئذ بقتالهم ، فأمره الله عز ذكره أن يعفو عنهم ويصفح . ثم نسخ ذلك في"براءة" فقال : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ سورة التوبة : 29 ] ، وهم أهل الكتاب ، فأمر الله [ ص: 135 ] جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقاتلهم حتى يسلموا أو يقروا بالجزية .

11595 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : قرأت على ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، نحوه .

قال أبو جعفر : والذي قاله قتادة غير مدفوع إمكانه ، غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر ، هو ما كان نافيا كل معاني خلافه الذي كان قبله ، فأما ما كان غير ناف جميعه ، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله جل وعز أو من رسوله صلى الله عليه وسلم . وليس في قوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) دلالة على الأمر بنفي معاني الصفح والعفو عن اليهود .

وإذ كان ذلك كذلك ، وكان جائزا ، مع إقرارهم بالصغار ، وأدائهم الجزية بعد القتال ، الأمر بالعفو عنهم في غدرة هموا بها ، أو نكثة عزموا عليها ، ما لم ينصبوا حربا دون أداء الجزية ، ويمتنعوا من الأحكام اللازمتهم لم يكن واجبا أن يحكم لقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية ، بأنه ناسخ قوله : "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" .

التالي السابق


الخدمات العلمية