الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس [ ص: 420 ] سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر

                                                                                                                                                                                                                                        إنا كل شيء خلقناه بقدر روى إسماعيل بن زياد عن محمد بن عباد عن أبي هريرة أن مشركي قريش أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت. إنا كل شيء خلقناه بقدر فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان، قاله ابن بحر .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بحكم سابق وقضاء محتوم، ومنه قول الراجز:

                                                                                                                                                                                                                                        وقدر المقدر الأقدارا.

                                                                                                                                                                                                                                        وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر يعني أن ما أردناه من شيء أمرنا به مرة واحدة ولم نحتج فيه إلى ثانية ، فيكون ذلك الشيء مع أمرنا به كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير. وكل صغير وكبير مستطر فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن المستطر المكتوب ، قاله الحسن وعكرمة وابن زيد ، لأنه مسطور.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه المحفوظ ، قاله قتادة . إن المتقين في جنات ونهر فيه ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أن النهر أنهار الماء، والخمر، والعسل، واللبن، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن النهر الضياء والنور ، ومنه النهار ، قاله محمد بن إسحاق ، ومنه قول الراجز


                                                                                                                                                                                                                                        لولا الثريدان هلكنا بالضمر     ثريد ليل وثريد بالنهر

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه سعة العيش وكثرة النعيم، ومنه اسم نهر الماء، قاله قطرب. [ ص: 421 ] في مقعد صدق عند مليك مقتدر فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: مقعد حق لا لغو فيه ولا تأثيم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: مقعد صدق لله وعد أولياءه به، والمليك والملك واحد ، وهو الله كما قال ابن الزبعري


                                                                                                                                                                                                                                        يا رسول المليك إن لساني     راتق ما فتقت إذا أنابوا

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل ثالثا: أن المليك مستحق الملك ، والملك القائم بالملك والمقتدر بمعنى القادر.

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل وصف نفسه بالاقتدار هاهنا وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: لتعظيم شأن من عنده من المتقين لأنهم عند المقتدر أعظم قدرا ، وأعلى مجزا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ليعلموا أنه قادر على حفظ ما أنعم به عليهم ودوامه لهم، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية