الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة ولها تعلق بالاستصحاب نقل الدبوسي عن الشافعي أن عدم الدليل حجة في إبقاء ما ثبت بالدليل ، لا لما لم يصح ثبوته ، قال : ولهذا لم يجز الصلح على الإنكار ، ولم يجز شغل الذمة بالدين فلم يصح الصلح ، قال : وعندنا هو جائز [ ص: 36 ] ويقول : قول المنكر ليس بحجة على المدعي ، كقول المدعي ليس بحجة على المنكر ، قال : وقال بعضهم : هذا الذي قاله الشافعي يكون حجة في حق الله تعالى ولا يكون حجة على خصمه بوجه . انتهى . وأنكر عليه ابن السمعاني ذلك وقال : عدم الدليل ليس بحجة في موضع . والذي ادعاه على الشافعي من مذهبه لا ندري كيف وقع له . والمنقول عن الأصحاب ما قدمناه . وأما مسألة الصلح على الإنكار فقد بينا وجه فساده في الخلافيات " . وذكر أيضا مسألة الشفعة على هذا الأصل ، وهي أن من كان في ملكه شقص وباع شريكه نصيبه وأراد الشريك أخذه بالشفعة ، أو كان جارا على أصولهم فأنكر المشتري الشقص ملكا ، قال : عند الشافعي لا يلتفت إلى إنكاره ويثبت له الأخذ بالشفعة بظاهر ملكه بيده . وعندنا : ليس له حق الشفعة حتى يقيم البينة أن الشقص ملكه .

                                                      قلت : وقال الروياني في البحر " ( في باب التيمم ) : ظاهر كلام الشافعي - رحمه الله تعالى - أن السكوت وعدم النقل دليل على عدم الحكم ولهذا قال في الماسح على الخفين : هل يلزمه إعادة الصلاة ؟ إن صح حديث علي - رضي الله عنه - قلت به في الأمر بالمسح على الجبائر ، لأنه لم يلزمه الإعادة ، فإن صح قطعت القول به قال : فجعل سكوته عن الإعادة دليلا على نفي وجوبها . قلت : بل ظاهر كلام الشافعي التفصيل بين أن يكون مما تتوفر الدواعي على نقله أم لا ، فإنه قال في تقدير أن خبر ماعز حيث رجم ولم يجلد ناسخ لحديث الجمع بينهما . قال : فإن قال قائل : لعله جلده ورجمه . قيل : كانت قصته من مشاهير القصص ، ولو جلد لنقل . فإن قيل : رب تفصيل في القصص لا يتفق نقله ودواعي النفوس إنما تتوفر على نقل كليات القصص . فإن صح في الحديث المتقدم التصريح بالجلد فلا يعارضه التعلق بعدم نقل في حديث مع اتجاه وجه بترك النقل فيه قال الشافعي مجيبا : الأمر كذلك ، والحق أحق أن يتبع ، ولولا أن أبا الزبير روى عن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 37 ] رجم ماعزا ولم يجلده } .

                                                      تعارض الحديث الأول بقصة ماعز . انتهى . أما إذا لم يعلم على الحكم سوى دليل واحد وعلة واحدة فهل يكون عدم كل واحد منهما دالا على عدم الحكم ؟ ينبغي أن يفصل في ذلك بين الحكم العقلي والشرعي فيقال : إن كان ذلك الحكم عقليا فإن العكس فيه غير لازم ، إذ لا يلزم من نفي دليل معين أو علة معينة نفي الحكم ، لجواز أن يكون ثم دليل آخر أو علة أخرى ولم يعلم بهما ، وعدم علمنا بالشيء لا يدل على عدمه ، فلم يحصل القطع واليقين بعدم ذلك الحكم عند عدم ذلك الدليل أو تلك العلة . وإن كان ذلك الحكم شرعيا فإن العكس فيه لازم ، لأنا مكلفون في الأمور الأخروية بغلبة الظن ، ونحن إذا لم نعلم على الحكم سوى دليل واحد أو علة واحدة غلب على الظن عدم الحكم من عدم ذلك الدليل أو عدم تلك العلة ، والظن متعبد به في الشرعيات ، بخلاف العقليات فإن المطلوب فيها القطع واليقين ، وأنه غير مظنون به في هذا الموطن . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية