الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء )

قال أبو جعفر : يعني تبارك وتعالى بذلك : والله له تصريف ما في السماوات والأرض وما بينهما يعني : وما بين السماء والأرض يهلك من يشاء من ذلك ويبقي ما يشاء منه ، ويوجد ما أراد ويعدم ما أحب ، لا يمنعه من شيء أراد من ذلك مانع ، ولا يدفعه عنه دافع ، ينفذ فيهم حكمه ، ويمضي فيهم قضاءه لا المسيح الذي إن أراد إهلاكه ربه وإهلاك أمه لم يملك دفع ما أراد به ربه من ذلك .

يقول جل وعز : كيف يكون إلها يعبد من كان عاجزا عن دفع ما أراد به غيره من السوء ، وغير قادر على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود الذي له ملك كل شيء ، وبيده تصريف كل من في السماء والأرض وما بينهما .

فقال جل ثناؤه : "وما بينهما" ، وقد ذكر"السماوات" بلفظ الجمع ، ولم يقل : "وما بينهن" ، لأن المعنى : وما بين هذين النوعين من الأشياء ، كما قال الراعي :

[ ص: 149 ]

طرقا ، فتلك هماهمي ، أقريهما قلصا لواقح كالقسي وحولا



فقال : "طرقا" مخبرا عن شيئين ، ثم قال : "فتلك هماهمي" ، فرجع إلى معنى الكلام .

وقوله : "يخلق ما يشاء" ، يقول جل ثناؤه : وينشئ ما يشاء ويوجده ، ويخرجه من حال العدم إلى حال الوجود ، ولن يقدر على ذلك غير الله الواحد القهار . وإنما يعني بذلك أن له تدبير السماوات والأرض وما بينهما وتصريفه ، وإفناءه وإعدامه ، وإيجاد ما يشاء مما هو غير موجود ولا منشإ . يقول : فليس ذلك لأحد سواي ، فكيف زعمتم ، أيها الكذبة ، أن المسيح إله ، وهو لا يطيق شيئا من ذلك ، بل لا يقدر على دفع الضرر عن نفسه ولا عن أمه ، ولا اجتلاب نفع إليها إلا بإذني؟

التالي السابق


الخدمات العلمية