الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1924 ) مسألة : قال : وإذا اشتراها للتجارة ، ثم نواها للاقتناء ، ثم نواها للتجارة ، فلا زكاة فيها حتى يبيعها ، ويستقبل بثمنها حولا . لا يختلف المذهب في أنه إذا نوى بعرض التجارة القنية ، أنه يصير للقنية ، وتسقط الزكاة منه . وبهذا قال الشافعي ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وقال مالك في إحدى الروايتين عنه : لا يسقط حكم التجارة بمجرد النية ، كما لو نوى بالسائمة العلف . [ ص: 339 ] ولنا ، أن القنية الأصل ، ويكفي في الرد إلى الأصل مجرد النية ، كما لو نوى بالحلي التجارة ، أو نوى المسافر الإقامة ، ولأن نية التجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض ، فإذا نوى القنية زالت نية التجارة ، ففات شرط الوجوب ، وفارق السائمة إذا نوى علفها ، لأن الشرط فيها الإسامة دون نيتها ، فلا ينتفي الوجوب إلا بانتفاء السوم .

                                                                                                                                            وإذا صار العرض للقنية بنيتها ، فنوى به التجارة ، لم يصر للتجارة بمجرد النية ، على ما أسلفناه . وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والثوري وذهب ابن عقيل ، وأبو بكر ، إلى أنه يصير للتجارة بمجرد النية . وحكوه رواية عن أحمد ، لقوله : في من أخرجت أرضه خمسة أوسق ، فمكثت عنده سنين لا يريد بها التجارة ، فليس عليه زكاة ، وإن كان يريد التجارة فأعجب إلي أن يزكيه .

                                                                                                                                            قال بعض أصحابنا : هذا على أصح الروايتين ; لأن نية القنية بمجردها كافية ، فكذلك نية التجارة ، بل أولى ; لأن الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا ، ولأنه أحظ للمساكين ، فاعتبر كالتقويم ، ولأن سمرة قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع . } وهذا داخل في عمومه ، ولأنه نوى به التجارة ، فوجبت فيه الزكاة ، كما لو نوى حال البيع .

                                                                                                                                            ولنا ، أن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكه ، لا يثبت بمجرد النية ، كما لو نوى بالمعلوفة السوم ، ولأن القنية الأصل ، والتجارة فرع عليها ، فلا ينصرف إلى الفرع بمجرد النية ، كالمقيم ينوي السفر ، وبالعكس من ذلك ما لو نوى القنية ، فإنه يردها إلى الأصل ، فانصرف إليه بمجرد النية ، كما لو نوى المسافر الإقامة . فكذلك إذا نوى بمال التجارة القنية ، انقطع حوله ، ثم إذا نوى به التجارة ، فلا شيء فيه حتى يبيعه ، ويستقبل بثمنه حولا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية