الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد تنازع الناس في أطفال المشركين على أقوال:

فقالت طائفة: إنهم كلهم في النار. وقالت طائفة: كلهم في الجنة. وكل واحد من القولين اختاره طائفة من أصحاب أحمد. الأول: اختاره القاضي أبو يعلى وغيره، وحكوه عن أحمد، وهو غلط على أحمد كما أشرنا إليه.

والثاني: اختاره أبو الفرج بن الجوزي وغيره. ومن هؤلاء من يقول: هم خدم أهل الجنة. ومنهم من قال: هم من أهل الأعراف.

والقول الثالث: الوقف فيهم. وهذا هو الصواب الذي دلت عليها الأحاديث الصحيحة، وهو منصوص أحمد وغيره من الأئمة.

وذكره ابن عبد البر عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن المبارك وإسحاق بن راهويه. قال: وعلى ذلك أكثر أصحاب مالك، وذكر أيضا في أطفال المسلمين نزاعا ليس هذا موضعه. [ ص: 436 ]

لكن الوقف قد يفسر بثلاثة أمور:

أحدها: أنه لا يعلم حكمهم، فلا يتكلم فيهم بشيء، وهذا قول طائفة من المنتسبين إلى السنة، وقد يقال: إن كلام أحمد يدل عليه.

والثاني: أنه يجوز أن يدخل جميعهم الجنة، ويجوز أن يدخل جميعهم النار. وهذا قول طائفة من المنتسبين إلى السنة، من أهل الكلام وغيرهم، من أصحاب أبي الحسن الأشعري وغيرهم.

والثالث: التفصيل، كما دل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « الله أعلم بما كانوا عاملين» فمن علم الله منه أنه إذا بلغ أطاع أدخله الجنة، ومن علم منه أنه يعصي أدخله النار.

ثم من هؤلاء من يقول: إنه يجزيهم بمجرد علمه فيهم، كما يحكى عن أبي العلاء القشيري المالكي.

والأكثرون يقولون: لا يجزي على علمه بما سيكون حتى يكون، فيمتحنهم يوم القيامة، ويمتحن سائر من لم تبلغه الدعوة في الدنيا، فمن أطاع حينئذ دخل الجنة ومن عصى دخل النار. [ ص: 437 ]

وهذا القول منقول عن غير واحد من السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم.

وقد روي به آثار متعددة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حسان يصدق بعضها بعضا، وهو الذي حكاه الأشعري في المقالات عن أهل السنة والحديث، وذكر أنه يذهب إليه، وعلى هذا القول تدل الأصول المعلومة بالكتاب والسنة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبين أن الله لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسولا.

والمقصود هنا الكلام على الأقوال المذكورة في تفسير هذا الحديث، وقد تبين ضعف قول من قال: الفطرة: الكفر والإيمان، وأن الإقرار كان من هؤلاء طوعا، ومن هؤلاء كرها.

ومما يضعف هذا القول طائفة أخرى بأن جميع أولئك كان إقرارهم جميعهم له بالربوبية من غير تفصيل بطوع وكره.

التالي السابق


الخدمات العلمية