الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1518 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا يحل بيعتان في بيعة ، مثل : أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهما .

                                                                                                                                                                                          أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير كل دينار بعدد من الدراهم ومثل : أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدا أو بثلاثة نسيئة .

                                                                                                                                                                                          ومثل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا .

                                                                                                                                                                                          فهذا كله حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا يحيى بن معين نا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة } .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن الشعبي ، ومحمد بن علي : أنهما كرها ذلك وما نعلم للمالكيين حجة إلا أنهم قالوا : البيعة الأولى لغو فهذا الاحتجاج أفسد من القول الذي احتجوا له به ، وأفقر إلى حجة ; لأنه دعوى مجردة ، على أنهم أتوا بعظائم طردا منهم لهذا الأصل الفاسد : فأجازوا بيع هذه السلعة بخنزير ، أو بقسط خمر ، على أن يأخذوا بالخنزير ، أو الخمر : دينارين وهذه عظيمة تملأ الفم ، ويكفي ذكرها عن تكلف الرد عليهم ، وما الديانة كلها إلا بأسمائها وأعمالها ، لا بأحد الأمرين دون الآخر . [ ص: 502 ]

                                                                                                                                                                                          ونحن نجد المستقرض يقول : أقرضني دينارين على أن أرد لك دينارين إلى شهر لكان قولا حسنا ، وعملا صحيحا ، فلو قال له يعني دينارين بدينارين إلى شهر لكان قولا خبيثا ، وعملا فاسدا ، حراما ، والعمل واحد والصفة واحدة وما فرق بينهما إلا اللفظ .

                                                                                                                                                                                          ولو قال امرؤ لآخر : أبحني وطء ابنتك بدينار ما شئت ؟ فقال له : نعم لكان قولا حراما : وزنا مجردا ، فلو قال له : زوجنيها بدينار ، لكان قولا صحيحا ، وعملا صحيحا ، والصفة واحدة ، والعمل واحد ، وإنما فرق بينهما الاسم .

                                                                                                                                                                                          وقولهم هذا جمع وجوها من البلاء ، وأنواعا من الحرام : منها : تعدي حدود الله تعالى ، وشرط ليس في كتاب الله تعالى ، وبيعتين في بيعة ، وبيع ما لا يحل وابتياعه معا ، وبيع غائب بناجز فيما يقع فيه الربا وبيع الغرر ونعوذ بالله من مثل هذا .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : تقولون فيما رويتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا } وقد أخذ بهذا شريح : كما حدثنا حمام نا عياش بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا عبد الأعلى نا حماد عن قتادة ، وأيوب السختياني ، ويونس بن عبيد ، وهشام بن حسان ، كلهم عن محمد بن سيرين ، قال : شرطين في بيع أبيعك إلى شهر بعشرة ، فإن حبسته شهرا فتأخذ عشرة ، قال شريح : أقل الثمنين ، وأبعد الأجلين أو الربا قال عبد الله : فسألت أبي ؟ فقال : هذا بيع فاسد .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : يريد فإن حبسته شهرا آخر فتأخذ عشرة أخرى .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فنقول : هذا خبر صحيح إلا أنه موافق لمعهود الأصل ، وقد كان الربا ، وبيعتان في بيعة ، والشروط في البيع : كل ذلك مطلقا غير حرام إلى أن حرم كل ذلك ، فإذ حرم كل ما ذكرنا فقد نسخت الإباحة بلا شك ، فهذا خبر منسوخ بلا شك [ ص: 503 ] بالنهي عن بيعتين في بيعة بلا شك ، فوجب إبطالهما معا ; لأنهما عمل منهي عنه وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية