الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1520 مسألة : ولا يحل بيع الحر . برهان ذلك : ما روينا من طريق البخاري نا بشر بن مرحوم نا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 504 ] قال الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره }

                                                                                                                                                                                          قال علي : وفي هذا خلاف قديم وحديث ، نورد إن شاء الله تعالى منه ما يسر لإيراده ، ليعلم مدعي الإجماع فيما هو أخفى من هذا أنه كاذب : روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن هشام الدستوائي ، قال عبد الرحمن : نا همام بن يحيى ، وقال معاذ : نا أبي ثم اتفق هشام ، وهمام ، كلاهما : عن قتادة عن عبد الله بن بريدة : أن رجلا باع نفسه ، فقضى عمر بن الخطاب بأنه عبد كما أقر نفسه ، وجعل ثمنه في سبيل الله عز وجل هذا لفظ همام وأما لفظ هشام فإنه أقر لرجل حتى باعه ، واتفقا فيما عدا ذلك ، والمعنى واحد في كلا اللفظين ولا بد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا شريك عن جابر عن عامر الشعبي عن علي بن أبي طالب قال : إذا أقر على نفسه بالعبودية فهو عبد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا حرا ؟ فقال إبراهيم : هو رهن بما جعل فيه حتى يفتك نفسه .

                                                                                                                                                                                          وعن زرارة بن أوفى قاضي البصرة من التابعين : أنه باع حرا في دين .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا هذا القول عن الشافعي وهي قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الحديث والآثار .

                                                                                                                                                                                          قال علي : هذا قضاء عمر وعلي ، بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يعترضهم في ذلك منهم معترض ، فإن شنعوا هذا ؟ قلنا : يا هؤلاء لا عليكم ، والله لقد قلتم بأشنع من هذا وأشد ، وفي هذه المسألة نفسها .

                                                                                                                                                                                          أليس الحنفيون يقولون : إن ارتد الحسني ، أو الحسيني ، أو العباسي ، أو المنافي ، أو القرشي ، فلحق بأرض الحرب فإن ولد ولده يسترقون ، وإن أسلموا كانوا [ ص: 505 ] عبيدا ، وأن القرشية إن ارتدت ولحقت بدار الحرب سبيت وأرقت ، فإن أسلمت كانت مملوكة تباح ويستحل فرجها بملك اليمين ، وإن لم تسلم تركت على كفرها ، وجاز أن يسترقها اليهودي والنصراني ؟ أو ليس ابن القاسم صاحب مالك يقول : إن تذمم أهل الحرب وفي أيديهم أسرى مسلمون ، ومسلمات أحرار ، وحرائر ، فإنهم يقرون عبيدا لهم وإما يتملكونهم ويتبايعونهم ، فأف لهذين القولين وتف ، فأيهما أشنع مما لم يقلدوا فيه عمر ، وعليا رضي الله عنهما ؟ قال أبو محمد : كل من صار حرا بعتق ، أو بأن كان ابن حر من أمة له ، أو بأن حملت به حرة ، أو بأن أعتقت أمة وهي حامل به ، ولم يستثنه المعتق ، فإن الحرية قد حصلت له ، فلا تبطل عليه ، ولا عمن تناسل منه من ذكر أو أنثى على هذه السبيل من الولادة التي ذكرنا أبدا ، لا بأن يرتد ، ولا بأن ترتد ، ولا بأن يسبى ، ولا بأن يرتد أبوه أو جده وإن بعد ، أو جدته وإن بعدت ولا بلحاق بأرض الحرب من أحد أجداده ، أو جداته أو منه أو منها : ولا بإقراره بالرق ، ولا بدين ، ولا ببيعه نفسه ، ولا بوجه من الوجوه أبدا لأنه لم يوجب ذلك قرآن ، ولا سنة ، وقد جاء أثر بأن الحر كان يباع في الدين في صدر الإسلام إلى أن أنزل الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية