الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
780 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : أقبلت راكبا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف ، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك أحد ، متفق عليه .

التالي السابق


780 - ( وعن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على أتان ) : بفتح الهمزة وشذ كسرها قال العسقلاني : ( يعني الحمار الأنثى ( وأنا يومئذ قد ناهزت ) ، أي : قاربت ( الاحتلام ) ، أي : البلوغ ( ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس ) ، أي : إماما ( بمنى ) : قال محيي السنة : فيه لغتان الصرف والمنع ، ولهذا يكتب بالألف والياء ، والأجود صرفها وكتابتها بالألف ، وسميت بها لما يعني من الدماء ، أي : يراق ويصب كذا ذكره الطيبي ( إلى غير جدار ) : قد نقل البيهقي عن الشافعي : أن المراد بقول ابن عباس إلى غير جدار إلى غير سترة ، ويؤيده رواية البزار بلفظ : والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة ليس شيء يستره ، لكن البخاري أورد هذا الحديث في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه ، وهذا مصير منه إلى أن الحديث محمول على أنه كان هناك سترة ، قال الشيخ ابن حجر : كان البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته - عليه السلام - أن لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه ، ثم أيد بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة المذكورين أول الباب ، وأوردهما عقيب ابن عباس ، كذا ذكره ميرك .

وفي شرح الطيبي قال المظهر : قوله إلى غير جدار أي إلى غير سترة ، والغرض من الحديث أن المراد بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة ، اهـ ، كلامه .

فإن قلت : قوله إلى غير جدار لا ينفي شيئا لغيره ، فكيف فسره بالسترة قلت : إخبار ابن عباس عن مروره بالقوم ، وعن عدم جدار مع أنهم لم ينكروا عليه ، وأنه مظنة إنكار يدل على حدوث أمر لم يعهد قبل ذلك من كون المرور مع عدم السترة غير منكر ، فلو فرض سترة أخرى لم يكن لهذا الإخبار فائدة ، اهـ .

قلت : يمكن إفادته أن سترة الإمام سترة القوم كما فهم البخاري ، والله أعلم ، ( فمررت ) ، أي : راكبا ( بين يدي بعض الصف ) ، أي : الأول كما في البخاري ذكره العسقلاني ( فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ) ، أي : تأكل الحشيش وتتوسع في المرعى ، ( ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك ) ، أي : مشيه بأتانه وبنفسه بين يدي بعض الصف ( علي أحد ) : من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا في الصلاة ولا بعدها ، وهو إما لكونه صغيرا ، أو لوجود سترة الإمام ، أو لكون المرور مطلقا غير قاطع ، قال ابن الملك رحمه الله : والغرض منه أن مرور الحمار بين يديه لا يقطع الصلاة ، ( متفق عليه ) : وهذا لفظ البخاري ، قاله ميرك .

[ ص: 646 ]



الخدمات العلمية