الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فرع :

                " خرج عن هذا القسم صور ، لم يعذر فيها بالجهل " منها : ما إذا بادر أحد الأولياء ، فقتل الجاني بعد عفو بعض الأولياء ، جاهلا به فإن الأظهر وجوب القصاص عليه ; لأنه متعد بالانفراد .

                ومنها : إذا قتل من علمه مرتدا أو ظن أنه لم يسلم ، فالمذهب : وجوب القصاص لأن ظن الردة لا يفيد إباحة القتل ، فإن قتل المرتد إلى الإمام ، لا إلى الآحاد .

                ومنها : ما إذا قتل من عهده ذميا أو عبدا ، وجهل إسلامه وحريته فالمذهب وجوب القصاص ; لأن جهل الإسلام والحرية لا يبيح القتل .

                ومنها : ما إذا قتل من ظنه قاتل أبيه ، فبان خلافه ، فالأظهر وجوب القصاص ; لأنه كان من حقه التثبت .

                ومنها : ما إذا ضرب مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض دون الصحيح فمات فالأصح : وجوب القصاص ; لأن جهل المرض لا يبيح الضرب .

                وعلم من ذلك : أن الكلام فيمن لا يجوز له الضرب ، أما من يجوز له للتأديب ، فلا يجب القصاص قطعا ، وصرح به في الوسيط وخرج عنه صور عذر فيها بالجهل . حتى في الضمان .

                منها : ما إذا قتل مسلما بدار الحرب ، ظانا كفره ، فلا قصاص قطعا ، ولا دية في الأظهر .

                ومنها : إذا رمى إلى مسلم تترس به المشركون فإن علم إسلامه : وجبت الدية وإلا فلا

                ومنها : إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل ظلما ، والمأمور لا يعلم ، فلا قصاص عليه ولا دية ، ولا كفارة .

                ومنها : إذا قتل الحامل في القصاص ; فانفصل الجنين ميتا ، ففيه غرة وكفارة . أو حيا فمات ، فدية ، ثم إذا استقل الولي بالاستيفاء ، فالضمان عليه . وإن أذن له الإمام ، فإن علما أو جهلا أو علم الإمام دون الولي ، اختص الضمان بالإمام على الصحيح ; لأن البحث عليه ، وهو الآمر به .

                [ ص: 200 ] وفي وجه : على الولي ; لأنه المباشر وفي آخر : عليهما .

                وإن علم الولي ، دون الإمام ، اختص بالولي على الصحيح لاجتماع العلم والمباشر . وفي وجه : بالإمام لتقصيره .

                ولو باشر القتل جلاد الإمام ; فإن جهل ، فلا ضمان عليه بحال ; لأنه آلة الإمام ، وليس عليه البحث عما يأمره به ، وإن كان عالما ، فكالولي إن علم الإمام ، فلا شيء عليه وإلا اختص به .

                ولو علم الولي مع الجلاد ، ففي أصل الروضة : الأصح أنه يؤثر ، حتى إذا كانوا عالمين ضمنوا أثلاثا .

                قال في المهمات : وهذا غير مستقيم ; لأن الأصح فيما إذا علما ، أو جهلا : أن الضمان على الإمام خاصة ، فكيف يستقيم ذلك هنا ؟

                قال : قال : فالصواب تفريع المسألة على القول بالوجوب عليهما إذا علما ، ثم من المشكل : أنهما صححا هنا اختصاص الضمان بالإمام ، إذا علم هو والولي ; وصححا فيما إذا رجع الشهود ، واقتص الولي بعد حكم الحاكم ، بأن القصاص واجب على الكل ، بل لم يقل أحد بأن الضمان في هذه الصورة يختص بالحاكم .

                وصححا فيما إذا أمر السلطان بقتل رجل ظلما وكان هو والمأمور عالمين اختصاصه بالمأمور ، إذا لم يكن إكراه ، فهذه ثلاث نظائر مختلفة .

                قال في ميدان الفرسان : وكأن الفرق : أن الإحاطة بسبب المنع من الإقدام على القتل في غير مسألة الحامل لا يتوقف على اختيار الحاكم به بخلاف فيها ، فإن مناط المنع فيها الظن الناشئ من شهادة النسوة بالحمل . ومنصب سماع الشهادة يختص بالحاكم ، فإذا أمكن من القتل بعد أدائها . آذن ذلك بضعف السبب عنده ، فأثر في ظن الولي ، فلذلك أحيل الضمان على تفريط الحاكم ، ولم يقل به عند رجوع الولي والقاضي ، لعدم ذلك فيه . انتهى .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية