الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : ولا بأس بأن يلبس الخز والبرود إذا لم يكن مخيطا كما كان يفعله في غير الإحرام إلا أنه لا يلبس البرد المصبوغ بالعصفر أو الزعفران أو الورس فقد روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس المزعفر والمورس في حالة الإحرام } ، وكذلك المصبوغ بالعصفر عندنا ، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس به لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه رأى على عبد الله بن جعفر رضي الله عنه رداء معصفرا في إحرامه فأنكر عليه ذلك ، فقال علي رضي الله عنه : ما أرى أحدا يعلمنا السنة ، ولأن العصفر ليس بطيب فهو قياس ثوب هروي ولا بأس للمحرم أن يلبسه ، ولكنا نستدل بحديث عائشة رضي الله عنها فإنها كرهت لبس المعصفر في الإحرام ، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنكر على طلحة الرداء المعصفر حتى قال : لا تعجل يا أمير المؤمنين فإنه ممشق ، ولأن العصفر له رائحة ، وإن لم تكن زكية فكان بمنزلة الورس والزعفران ، وتأويل حديث عبد الله رضي الله عنه أنه كان قد غسل وصار بحيث لا ينفض قد عرف عبد الله بن جعفر ذلك ، ولم يعرفه عثمان رضي الله عنه أو كان ذلك مصبوغا بمدر على لون العصفر ، وقد عرف ذلك علي رضي الله عنه ، ولم يعرفه عثمان فلهذا قال ما قال فأما المصبوغ على لون الهروي هو أدمى اللون ليس له رائحة فكان قياس المعصفر إذا غسل حتى صار بحيث لا ينفض ، وقد بينا هناك أنه لا يلزمه شيء فهذا مثله ، ثم التقدير في إيجاب الدم عند لبس المصبوغ ، بنحو ما بينا في لبس القباء .

وكذلك لو لبس قميصا أو سراويل أو قلنسوة يوما إلى الليل فعليه دم ، وإن كان فيما دون ذلك فعليه صدقة كما بينا ، وإنما أراد بهذا إذا لبسه على الوجه المعتاد أما إذا ائتزر بالسراويل أو ارتدى بالقميص أو اتشح به فلا شيء عليه ; لأنه يحتاج إلى تكلف حفظه على نفسه عند اشتغاله بالعمل فلا يكون لابسا للمخيط . وأما في القلنسوة فلتغطية الرأس بها يلزمه الجزاء ، وقد بينا أن المحرم ممنوع عن تغطية الرأس ، وقد ذكر هشام عن محمد - رحمهما الله تعالى - أنه إذا لم يجد الإزار ففتق السراويل إلا موضع التكة فلا بأس حينئذ بلبسه بمنزلة المئزر وهو نظير ما ورد به الأثر فيما لم يجد المحرم نعلين قطع خفيه [ ص: 127 ] أسفل من الكعبين ليصير في معنى النعلين وفسر هشام عن محمد - رحمهما الله تعالى - الكعب في هذا الموضع بالمفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك ، وعلى هذا قال المتأخرون من مشايخنا : لا بأس للمحرم بأن يلبس المشك ; لأنه لا يستر الكعب فهو بمنزلة النعلين فإن لبس القميص والقلنسوة والقباء والسراويل يوما إلى الليل فعليه دم واحد ; لأن جنس الجناية واحد ، والمقصود واحد وهو الاستمتاع بلبس المخيط فعليه دم واحد كما لو حلق رأسه كله ، وكذلك إن غطى وجهه يوما فعليه دم ، وقد بينا فيما سبق أنه ليس للمحرم أن يغطي وجهه ولا رأسه عندنا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى ، وقد ورد الأثر بالنهي عن تغطية اللحية في الإحرام ; لأنه من الوجه فعرفنا أنه لا يغطي وجهه

التالي السابق


الخدمات العلمية