الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          الثالث : معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة ؛ فالمبادرة أن يقولا : من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق ، فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق ، ولا يلزم إتمام الرمي ، والمفاضلة أن يقولا : أينا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية سبق ، فأيهما فضل بذلك فهو السابق ، وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت ، فإن قالا : خواصل كان تأكيدا; لأنه اسم لها كيفما كانت ، وإن قالا : خواسق ، وهو ما خرق الغرض وثبت فيه ، أو خوارق ، وهو ما خرقه ولم يثبت فيه ، وإن قالا : خواصر ، وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض ، تقيدت بذلك . وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة تقيد به

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( الثالث : معرفة الرمي هل هو مفاضلة أو مبادرة ؛ ) لأن غرض الرماة يختلف فمنهم من إصابته في الابتداء أكثر منها في الانتهاء ، ومنهم من هو بالعكس ، فوجب اشتراط ذلك ليعلم ما دخل فيه ( فالمبادرة أن يقولا : من سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق ، فأيهما سبق إليها مع تساويهما في الرمي فهو السابق ، ولا يلزم إتمام الرمي ) لأن السبق قد حصل بسبقه إلى ما شرطا السبق إليه ، فإن رمى أحدهما عشرا فأصاب خمسا ، والآخر تسعا فأصاب أربعا لم يحكم بالسبق ، ولا بعدمه حتى يرمي العاشر ، وإن أصاب به فلا سابق منهما ، وإن أخطأ به فالأول سابق ، وإن لم يكن أصاب من التسعة إلا ثلاثا ، فقد سبق ، ولا يحتاج إلى رمي العاشر ; لأن أكثر ما يحتمل أن يصيب به ، ولا يخرجه عن كونه مسبوقا .

                                                                                                                          ( والمفاضلة أن يقولا : أينا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية [ ص: 133 ] سبق ، فأيهما فضل بذلك فهو السابق ) لما ذكرنا ، وللمناضلة صورة أخرى ذكرها أبو الخطاب ، وفي " المغني " ، و " الشرح " ، وأنها تسمى محاطة ، ومعناها أن يشترطا حط ما يتساويان فيه من الإصابة في رشق معلوم ، فإذا فضل أحدهما بإصابة معلومة فقد سبق صاحبه كأن يشترطا الرشق عشرين ، ويشترطا حط ما يتساويان فيه ، فإذا فضل أحدهما بعدد ، فقد فضل صاحبه ( وإذا أطلقا الإصابة تناولها على أي صفة كانت ) لأن أي صفة كانت تدخل تحت مسمى الإصابة ، وفي " المغني " أن صفة الإصابة شرط لصحة المناضلة ، وفي " الرعاية " إن أطلقا العقد كفى إصابة بعضه كيف كان ، ويسن أن يصفا الإصابة ، وقيل : يجب ( فإن قالا : خواصل ) بالخاء المعجمة ، والصاد المهملة ( كان تأكيدا; لأنه اسم لها كيفما كانت ) قال الأزهري : الخاصل الذي أصاب القرطاس ، وقد خصله إذا أصابه ، وخصلت مناضلي أخصله خصلا إذا نضلته وسبقته ، وتسمى القرطسة ، يقال : قرطس إذا أصاب ( وإن قالا : خواسق ) بالخاء المعجمة ، والسين المهملة ( وهو ما خرق الغرض ، وثبت فيه أو خوارق ) بالخاء المعجمة ، والراء ( وهو ما خرق الغرض وثبت فيه ) وضبطه بعضهم بالزاي ، وفيه نظر ; لأن الأزهري والجوهري قالا : الخارق بالراء لغة في الخاسق ، فهما شيء واحد ، وقد فسر الخوارق بغير ما فسر به الخواسق ، فتعين أن يكون بالراء لئلا يلزم الاشتراك أو المجاز ، وهما على خلاف الأصل ، والأصل في الألفاظ التباين ( وإن قالا : خواصر ) بالخاء المعجمة ، والصاد ، والراء المهملتين ( وهو ما وقع في أحد جانبي الغرض ) ومنه قيل : الخاصرة ; لأنها في جانب الإنسان ( تقيدت بذلك ) لأنه [ ص: 134 ] وصف وقع العقد عليه فوجب أن يتقيد به ضرورة الوفاء بموجبه ، فإن شرطا الخواسق والخوارق معا صح ( وإن شرطا إصابة موضع من الغرض كالدائرة تقيد به ) لأن الغرض يختلف باختلاف ذلك ، فتعين أن تتقيد المناضلة به تحصيلا للغرض .

                                                                                                                          وبقي منها أقسام ، الأول : الموارق ، وهو ما خرق الغرض ونفذ منه ، ذكره في " المغني " ، و " الكافي " ، وذكر الأزهري أنه يقال له : الصادر ، الثاني : الخوارم ، وهو ما خرم جانب الغرض ، الثالث : الحوابي ، وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه ، ومنه يقال حبا الصبي ذكرهما في " المغني " ، وليس الأولان من شرط صحة المناضلة ، ذكره السامري .




                                                                                                                          الخدمات العلمية