الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وللمعير الرجوع متى شاء ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه ، مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر ، وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت ، وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه ، وإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده ، وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده ، وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ولا يلزمه تسوية الأرض إلا بشرط ، وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه إلا أن يضمن له المعير النقص ، فإن قلع فعليه تسوية الأرض ، وإن أبى القلع فللمعير أخذه بقيمته ، فإن أبى ذلك بيعا لهما ، فإن أبيا البيع ترك بحاله .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وللمعير الرجوع متى شاء ) لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة ، وسواء كانت مطلقة ، أو مؤقتة قبل الانتفاع أو بعده ، وعنه : إن عين مدة تعينت ، وعنه : ومع الإطلاق [ ص: 139 ] لا يرجع قبل انتفاعه ، ولزمه تركها مدة ينتفع بها في مثلها ، قال القاضي : القبض شرط في لزومها ، وقال : يحصل بها الملك مع عدم قبضها ، وأما المستعير ، فيجوز له الرد بغير خلاف نعلمه ( ما لم يأذن في شغله ) بفتح أوله وسكون ثانيه مصدر شغل يشغل ، وفيهما أربع لغات ( بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه ، مثل أن يعيره سفينة ) فعيلة من السفن ( لحمل متاعه ) أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها ، ولجج في البحر ( فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر ) لما فيه من الضرر ، وظاهره أنها إذا رست جاز الرجوع لانتفاء الضرر ( وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت ) لما فيه من هتك حرمته ، وقال ابن البنا : لا يرجع حتى يصير رميما ، وقال ابن الجوزي : يخرج عظامه ، ويأخذ أرضه ، ولا أجرة لها ، واقتضى ذلك أنه يرجع فيها قبل الدفن ( وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه ) جاز كالأرض للغرس ( لم يرجع ما دام عليه ) لأن هذا يراد للبقاء ولما فيه من الضرر على المستعير ، فإن قال : أنا أدفع إليك ما نقص بالقلع لم يلزم المستعير ذلك ، وفيه احتمال ( وإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده ) لأن الإذن تناول الحائط فلا يتعدى إلى غيره ، وقال القاضي والمؤلف : له إعارته ، وصححه الحارثي قال : وهو اللائق بالمذهب ; لأن السبب مستمر ، فكان الاستحقاق مستمرا ، وعلى الأول سواء بنى الحائط بآلته ، أو غيرها ، أو زالت الخشب بانهدام ، أو باختيار المستعير ، فإن أذن في إعادته ، أو عند الضرورة إن لم يتضرر الحائط جاز .

                                                                                                                          ( وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد ) لما فيه من الضرر ، فإن بذل له المعير قيمة الزرع ليملكه لم يكن له ذلك ، نص عليه ; لأن له وقتا [ ص: 140 ] ينتهي إليه ( إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده ) لعدم الضرر فيه ، ولا أجرة عليه ، اختاره المجد ( وإن أعارها للغرس أو البناء ، وشرط عليه القلع في وقت ، أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ) مجانا لقوله عليه السلام : المسلمون على شروطهم ، ولأن العارية مؤقتة غير مطلقة فلم تتناول ما عدا المقيد ، ولأن المستعير دخل فيها راضيا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقلع ، وظاهره ليس على صاحب الأرض ضمان نقصه بغير خلاف نعلمه .

                                                                                                                          ( ولا يلزمه تسوية الأرض ) لرضاه بضرر القلع ( إلا بشرط ) جزم به في " الوجيز " ، و " المستوعب " لما ذكرنا ، وقيل : يلزمه مطلقا ( وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه ) لما فيه من ضرر ( إلا أن يضمن له المعير النقص ) فيلزمه ; لأنه رجوع في العارية من غير إضرار ، وقال الحلواني : لا يلزمه ( فإن قلع ) المستعير ، وليس مشروطا عليه ( فعليه تسوية الأرض ) لأن القلع باختياره ، ولو امتنع منه لم يجبر عليه ، فلزمته التسوية كالمشتري لما فيه شفعة إذا أخذ غرسه ، وقال القاضي وجماعة : لا يلزمه ; لأن المعير رضي بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه الذي لا يمكن إلا بالحفر ( وإن أبى القلع ) أي في حال لا يجبر عليه فيها ( فللمعير أخذه بقيمته ) ويجبر المستعير على ذلك ; لأن غرسه أو بناءه حصل في ملك غيره كالشفيع مع المشتري ، والمؤجر مع المستأجر ، فإن قال المستعير : أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير ; لأنها تبع للأرض بدليل دخولهما في البيع ( فإن أبى ذلك ) أي إذا امتنع من دفع القيمة وأرش النقص ، وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر ( بيعا ) أي الغراس والأرض ( لهما ) [ ص: 141 ] لأن ذلك طريق إلى تحصيل مالية كل واحد منهما ، ولا بد أن يكون البيع باتفاقهما ، ويدفع إلى كل واحد قدر حقه ، فيقال : كم قيمة الأرض فارغة ، فيقال : عشرة ومشغولة بخمسة عشر ، فيكون للمعير ثلثا الثمن ، وللمستعير ثلثه ، فإن طلب أحدهما البيع أجبر الآخر عليه في الأصح ، ولكل منهما بيع ما له منفردا لمن شاء ، ويكون كهو ، وقيل : لا يصح بيع المستعير لغير المعير ( فإن أبيا البيع ترك بحاله ) أي يبقى فيها مجانا في الأصح حتى يتفقا ; لأن الحق لهما ، وقال ابن حمدان : يبيعهما الحاكم .

                                                                                                                          تنبيه : غرس المشتري وبناؤه كذلك إذا فسخ البيع بعيب ، أو فلس ، وفيه وجه لا يأخذه ، ولا يقلعه ، وقيل : إن أبى المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص ، وأبى دفع قيمته رجع أيضا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية