الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                791 792 793 794 795 796 797 798 799 [ ص: 570 ] ص: وقد روي أنه -عليه السلام- طاف على نسائه في غسل واحد: حدثنا يونس بن عبد الأعلى وبحر، قالا: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا عيسى بن يونس (ح.

                                                وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا عيسى ، عن صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أنس: أن النبي -عليه السلام- طاف على نسائه بغسل واحد".

                                                حدثنا علي بن شيبة، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: أنا سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                وحدثنا فهد، قال: نا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان ، فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، نا هشيم ، عن حميد ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                وحدثنا أحمد بن داود، قال: نا سليمان بن حرب، قال: نا حماد بن سلمة ( ح.

                                                وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: نا عبيد الله بن محمد التيمي، قال: أنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا حيوة بن شريح، قال: ثنا بقية بن الوليد ، عن شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا الحديث تأييدا لقوله: إن غسله -عليه السلام- عند جماع كل امرأة في طوافه في يوم واحد كان على طريق الاستحباب لا الوجوب، إذ لو كان ذاك واجبا لفعله دائما، وحديث أنس أنه كان يطوف على نسائه بغسل واحد صريح على أن الغسل عند كل جماع ليس بواجب.

                                                [ ص: 571 ] ثم إنه أخرج حديث أنس من ثمان طرق:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، وبحر بن نصر بن سابق الخولاني، كلاهما عن يحيى بن حسان التنيسي .

                                                عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي .

                                                عن صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عبد الملك، ضعفه ابن معين وأبو زرعة، وعن البخاري: لين، وعنه: ليس بشيء.

                                                عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أنس بن مالك .

                                                وأخرجه أبو داود: من طريق صالح بن أبي الأخضر معلقا.

                                                الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي .

                                                عن عبد الله بن يوسف شيخ البخاري .

                                                عن عيسى بن يونس .

                                                عن صالح ... إلى آخره.

                                                الثالث: عن علي بن شيبة بن الصلت .

                                                عن قبيصة بن عقبة شيخ البخاري .

                                                عن سفيان الثوري .

                                                عن معمر بن راشد .

                                                عن قتادة بن دعامة ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -عليه السلام- طاف على نسائه في غسل واحد".

                                                الرابع: عن فهد بن سليمان .

                                                عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان ... إلى آخره.

                                                [ ص: 572 ] وأخرجه ابن ماجه: عن محمد بن المثنى ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس: "أن النبي -عليه السلام- كان يطوف على نسائه في غسل واحد".

                                                الخامس: عن علي بن شيبة ، عن يحيى بن يحيى النيسابوري شيخ البخاري ، عن هشيم بن بشير ، عن حميد الطويل ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا هشيم وابن علية ، عن حميد ، عن أنس: "أن النبي -عليه السلام- طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد".

                                                السادس: عن أحمد بن داود المكي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه الدارمي في "مسنده": أنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس "أن رسول الله -عليه السلام- طاف على نسائه في يوم واحد".

                                                السابع: عن محمد بن خزيمة بن راشد .

                                                عن عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر القرشي التيمي أبي عبد الرحمن البصري المعروف بالعيشي، وبالعايشي، وبابن عائشة .

                                                عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده"، ثنا أبو كامل، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس: "أن النبي -عليه السلام- طاف على نسائه جمع في يوم واحد".

                                                الثامن: عن إبراهيم بن أبي داود ، عن حيوة بن شريح ، عن بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي ، عن شعبة ، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، عن جده أنس .

                                                [ ص: 573 ] وأخرجه مسلم: ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، قال: نا مسكين - يعني ابن بكير الحذاء - عن شعبة ، عن هشام بن زيد ، عن أنس "أن النبي -عليه السلام- كان يطوف على نسائه بغسل واحد".

                                                وهذه الطرق كلها صحاح، غير أن في الطريق الأول صالح بن أبي الأخضر فإن فيه مقالا، وقد ذكرناه.

                                                قوله: "طاف على نسائه" من طاف حول الشيء إذا دار، وأراد بنسائه جميع نسائه، وهن إحدى عشرة على ما صرح به البخاري في روايته، وعن سعيد ، عن قتادة: "تسع نسوة"، وعن ابن خزيمة: لم يقل أحد من أصحاب قتادة: "إحدى عشرة" إلا معاذ عن أبيه.

                                                قلت: الروايتان ليس بينهما خلاف؛ لأن نسوته -عليه السلام- كن تسعا، وريحانة، ومارية سريتان، فسعيد لمح إلى المدخول بهن من الحرائر، وهشام أراد الموطوآت مطلقا.

                                                وقال أبو عبيدة: إن فاطمة بنت شريح، وريحانة زوجتان؛ فحينئذ يصرن إحدى عشرة.

                                                وقال ابن حبان: حكى أنس -رضي الله عنه- هذا الفعل منه -عليه السلام- في أول قدومه المدينة ، حيث كان تحته تسع نسوة؛ لأن هذا الفعل كان منه مرارا لا مرة واحدة، ولا نعلم أنه كان تزوج نسائه كلهن في وقت واحد، ولا يستقيم هذا إلا في آخر أمره، حيث اجتمع عنده تسع نسوة، وجاريتان، ولا نعلم أنه اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة بالتزويج، فإنه تزوج بإحدى عشرة أولهن خديجة، ولم يتزوج بعدها حتى ماتت.

                                                قلت: لا خلاف أنه -عليه السلام- توفي عن تسع نسوة، وهن عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية، وحفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب الأموية، وزينب بنت جحش الأسدية، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وسودة بنت زمعة [ ص: 574 ] العامرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية الإسرائيلية الهارونية رضي الله عنهن.

                                                وقد اختلفوا في عدة أزواج النبي -عليه السلام-، وفي ترتيبهن، وعدة من مات منهن قبله، ومن دخل بها، ومن لم يدخل بها، ومن خطبها ولم ينكحها، ومن عرضت نفسها عليه.

                                                فقالوا: أول امرأة تزوجها خديجة بنت خويلد، ثم سودة بنت زمعة، ثم عائشة، ثم حفصة، ثم أم سلمة، ثم جويرية، ثم زينب [بنت] جحش، ثم زينب بنت خزيمة، ثم ريحانة بنت زيد، ثم أم حبيبة، ثم صفية، ثم ميمونة، وتزوج فاطمة بنت الضحاك، وأسماء بنت النعمان.

                                                وفيه اختلاف كثير، إلا أن المتفق عليه: أنهن إحدى عشرة امرأة: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وميمونة، وصفية.

                                                مات منهن في حياته -عليه السلام- خديجة، وزينب بنت خزيمة، ومات رسول الله -عليه السلام- عن الباقيات، وهن تسع كما ذكرنا.

                                                ماتت خديجة بمكة قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربع، وقيل: بثلاث، وهو الصحيح، وكان لها من العمر خمس وستون سنة، وكانت مدة مقامها مع رسول الله -عليه السلام- خمسا وعشرين سنة، ودفنت بالحجون.

                                                وماتت سودة بنت زمعة بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين.

                                                وماتت عائشة بالمدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: ثمان وخمسين لسبع عشرة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن ليلا فدفنت بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، وكان يومئذ خليفة مروان على المدينة في أيام معاوية بن أبي سفيان .

                                                وماتت حفصة بنت عمر بن الخطاب في شعبان سنة خمس وأربعين، وهي ابنة ستين سنة.

                                                [ ص: 575 ] وماتت زينب بنت خزيمة في ربيع الآخر سنة أربع، ودفنت بالبقيع.

                                                وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة، وكان عمرها أربعا وثمانين سنة.

                                                وماتت زينب بنت جحش بالمدينة سنة عشرين، ولها ثلاث وخمسون سنة، وصلى عليها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

                                                وماتت أم حبيبة بنت أبي سفيان بالمدينة سنة أربع وأربعين.

                                                وماتت جويرية بنت الحارث في ربيع الأول سنة ست وخمسين ولها خمس وستون سنة.

                                                وماتت ميمونة بنت الحارث بسرف على عشرة أميال من مكة سنة ست وخمسين، ولها خمس وستون سنة.

                                                وماتت صفية بنت حيي بالمدينة سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين والله أعلم.

                                                ثم يستفاد من هذا الحديث: أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بالإجماع.

                                                فإن قيل: ما يثبت وجوب الغسل؟

                                                قلت: الجنابة مع إرادة القيام إلى الصلاة كما أنه سبب الوضوء الحدث مع إرادة القيام إلى الصلاة، وليست الجنابة وحدها كما هو مذهب بعض الشافعية، وإلا يلزم أن يجب الغسل عقيب الجماع، والحديث ينافي هذا، ولا مجرد إرادة الصلاة وإلا يلزم أن يجب الغسل بدون الجنابة.

                                                ويستفاد أيضا: عدم كراهة كثرة الجماع عند القدرة، وجواز الاكتفاء بغسل واحد عقيب جماع متعدد، وفيه تلويح إلى أن الوضوء بين الجماعين ليس بواجب، وما روي [من] الأمر به فمنسوخ، كما قد بيناه مستقصى.




                                                الخدمات العلمية