الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1541 - مسألة : ولا يحل أن يجبر أحد على أن يبيع مع شريكه لا ما ينقسم ولا ما لا ينقسم ، ولا على أن يقاومه فيبيع أحدهما من الآخر ، لكن ما شاء من الشريكين أو الشركاء أن يبيع حصته : فله ذلك ، ومن أبى لم يجبر ، فإن أجبره على ذلك حاكم أو غيره : فسخ حكمه أبدا ، وحكم فيه بحكم الغصب .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : قول الله - تعالى - : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 520 ] ومن أجبر على بيع حقه فلم يرض فلا يجوز عليه ; لأنه خلاف أمر الله - تعالى - ، فهو أكل مال بالباطل إلا حيث أمر الله - تعالى - بالبيع ، وإن لم يرض كالشفعة ، وعلى الغائب ، وعلى الصغير ، وعلى الظالم .

                                                                                                                                                                                          واحتج القائلون بإجبار الشريك على البيع مع شريكه بخبر روي فيه { لا ضرر ولا ضرار } وهذا خبر لم يصح قط ، إنما جاء مرسلا ، أو من طريق فيها إسحاق بن يحيى - وهو مجهول - ثم لو صح لكان حجة عليهم ; لأن أعظم الضرار والضرر : هو الذي فعلوه من إجبارهم إنسانا على بيع ماله بغير رضاه ، وبغير أن يوجب الله - تعالى - عليه ذلك ، وما أباح الله - تعالى - قط أن يراعى رضا أحد الشريكين بإسخاط شريكه في ماله نفسه ، وهذا هو الجور والظلم الصراح .

                                                                                                                                                                                          ولا فرق بين أن يجاب أحد الشريكين إلى قوله : لا بد أن يبيع شريكي معي لأستجزل الثمن في حصتي ، وبين أن يجاب الآخر إلى قوله : لا بد أن يمنع شريكي مع بيع حصته ; لأن في ذلك ضررا علي في حصتي ، وكلا الأمرين عدوان وظلم ، لكن الحق أن كليهما ممكن من حصته ، من شاء باع حصته ومن شاء أمسك حصته .

                                                                                                                                                                                          وقد موهوا في ذلك بما روينا من طريق وكيع نا أبو بشر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : { أن نخلة كانت لإنسان في حائط آخر ، فسأله أن يشتريها منه ، فأبى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ضرر في الإسلام } وهذا مرسل .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لكان حجة عليهم ، لأننا نقول لهم نعم ، وهذا منع من أن يجبر الآخر على الشراء من شريكه ، وهو لا يريد ذلك ، أو على البيع منه أو من غيره ، وهو لا يريد ذلك - : فهذان ضرر ظاهر .

                                                                                                                                                                                          وذكروا أيضا : ما رويناه من طريق أبي داود نا سليمان بن داود العتكي نا حماد نا [ ص: 521 ] واصل مولى أبي عيينة قال : سمعت محمد بن علي يحدث عن سمرة بن جندب : { أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال : ومع الرجل أهله فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به ، فطلب إليه أن يبيعه أو يناقله فأبى فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه ، فأبى ، فطلب إليه يناقله ، فأبى قال : فهبه له ولك كذا وكذا أمرا رغبه فيه ، فأبى ، فقال : أنت مضار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري : اذهب فاقلع نخله } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا منقطع ; لأن محمد بن علي لا سماع له من سمرة ، ثم لو صح لكانوا مخالفين له في موضعين - : أحدهما - أنهم لا يجبرون غير الشريك على البيع من جاره ، ولا على البيع معه ، وفي هذا الحديث خلاف ذلك .

                                                                                                                                                                                          والثاني - قلع نخله - وهم لا يقولون بهذا - وبالله - تعالى - التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية