الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17030 7556 - (17484) - (4\162) عن عياض بن حمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم، فقال في خطبته: " إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني في يومي [ ص: 224 ] هذا: كل مال نحلته عبادي حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، ثم إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عجميهم وعربيهم، إلا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظانا، ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا، فقلت: يا رب إذا يثلغوا رأسي، فيدعوه خبزة. فقال: استخرجهم كما استخرجوك، فاغزهم نغزك، وأنفق عليهم فسننفق عليك، وابعث جندا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم، ورجل فقير، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا - أو تبعاء، شك يحيى - لا يبتغون أهلا، ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع - وإن دق - إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " وذكر البخل والكذب ، والشنظير الفاحش .

التالي السابق


* قوله : كل مال نحلته: أي: أعطيته.

* "عبادي حلال": يحتمل أن المراد: أن كل ما أعطيتهم للتصرف ، فلهم فيه ذاك التصرف، ولا يلزم منه أن يحل لهم فيه كل تصرف، فلا يشكل بأن منه حراما كالحمار; إذ الحمار أعطي للركوب مثلا، فلهم أن يركبوا، وهذا القدر يكفي في الحل، ويحتمل أن المراد: إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي، وغير ذلك، وأنها لم تصر حراما بتحريمهم; كما ذكره النووي .

* "حنفاء": أي: على الفطرة كما جاء في الحديث، وقيل: طاهرين من [ ص: 225 ] المعاصي، وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية، وقيل: المراد: حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف: 172] .

* "فأضلتهم": من الإضلال;أي: بالتسبب، وإلا فهو الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء .

* "نظر إلى أهل الأرض" : أي: قبل بعثتي .

* "فمقتهم": أبغضهم أشد البغض، ظاهره خلاف ما قالوا: إن أهل الجاهلية أهل فترة، فلا يعذبون .

* "لأبتليك" أي: أظهر منك ما يجيء منك من القيام في أمره تعالى.

* "وأبتلي بك": أي: قومك، أي: أظهر منهم ما يجيء منهم من إيمان وكفر; ليجزى كل بعمله.

* "لا يغسله الماء": أي: محفوظ في الصدور، لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الأزمان .

* "نائما " أي: مضطجعا.

* "ويقظانا ": غير مضطجع، وإلا فالقراءة في النوم غير معتادة، ويحتمل أنه كناية عن المداومة; أي: تداوم على قراءته .

وقال النووي: أي: يكون محفوظا لك في حالتي النوم واليقظة .

* "أن أحرق ": من التحريق أو الإحراق .

* "يثلغوا": - بالمثلثة - ; أي: يكسروا كما يكسر الخبز .

* "نغزك": - بضم النون - ; أي: نعنك على الغزو .

* "ثلاثة": أي: ثلاثة أنواع، فمن السلاطين: العادل المتصدق الموفق للخير، ومن الأغنياء: الرقيق القلب الذي يحمله ذاك على الإحسان إلى القرابة [ ص: 226 ] وغيرهم من المسلمين، ومن الفقراء: العفيف .

* "لا زبر له: - بفتح الزاي وسكون الباء الموحدة - ; أي: لا عقل له يمنعه مما لا ينبغي .

* "لا يتبعون ": قال النووي - : بالعين المهملة، مخفف ومشدد - ، من الاتباع، وجاء - بالغين المعجمة - ; أي: لا يطلبون ، وجاء تفسير هذا النوع في "صحيح مسلم ": بأنه الذي يتبع قوما يرعى لهم ليطأ جاريتهم ونحو ذلك .

* "لا يخفى": أي: لا يظهر، يقال: خفيت الشيء: إذا أظهرته، وأخفيته; أي: سترته، وقيل: هما لغتان في المعنيين .

* "وذكر البخل أو الكذب ": هكذا في أصلنا بأو، وهو الراجح; لتكون المذكورات خمسة، وقد جاء بالواو، فيحمل على معنى "أو" .

* "والشنظير": - بكسر الشين والظاء المعجمتين وسكون النون بينهما - ، والمراد به: الفاحش، قيل: وهو السيء الخلق .

* * *




الخدمات العلمية