الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قالت المعتزلة : هذه الآية دالة على القطع بوعيد الفساق ، وذلك لأن من يلزمه هذه الحقوق ولا تسقط عنه هو المصدق بالرسول وبالشريعة ، أما قوله : ( بل هو شر لهم ) فلأنه يؤدي إلى حرمان الثواب وحصول النار ، وأما قوله : ( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) فهو صريح بالوعيد .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الكلام في هذه المسألة تقدم في سورة البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولله ميراث السماوات والأرض ) وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : وله ما فيها مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره ، فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله! ونظيره قوله تعالى : ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) [ الحديد : 7 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو قول الأكثرين : المراد أنه يفنى أهل السماوات والأرض وتبقى الأملاك ولا مالك لها إلا الله ، فجرى هذا مجرى الوراثة إذ كان الخلق يدعون الأملاك ، فلما ماتوا عنها ولم يخلفوا أحدا كان هو الوارث لها ، والمقصود من الآية أنه يبطل ملك جمع المالكين إلا ملك الله سبحانه وتعالى ، فيصير كالميراث . قال ابن الأنباري : يقال ورث فلان علم فلان إذا انفرد به بعد أن كان مشاركا فيه ، وقال تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] وكان المعنى انفراده بذلك الأمر بعد أن كان داود مشاركا له فيه وغالبا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( والله بما تعملون خبير ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو " بما يعملون " بالياء على المغايبة كناية عن الذين يبخلون ، والمعنى والله بما يعملون خبير من منعهم الحقوق فيجازيهم عليه ، والباقون قرءوا بالتاء على الخطاب ، وذلك لأن ما قبل هذه الآية خطاب وهو قوله : ( وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) والله بما تعملون خبير فيجازيكم عليه ، والغيبة أقرب إليه من الخطاب ، قال صاحب الكشاف : الياء على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية