الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( فأسباب الإمالة ) قالوا : هي عشرة ترجع إلى شيئين : أحدهما الكسرة . والثاني الياء وكل منهما يكون متقدما على محل الإمالة من الكلمة ويكون متأخرا ويكون أيضا مقدرا في محل الإمالة ، وقد تكون الكسرة والياء غير موجودتين في اللفظ ولا مقدرتين محل الإمالة ولكنهما مما يعرض في بعض تصاريف الكلمة ، وقد تمال الألف ، أو الفتحة لأجل ألف أخرى ، أو فتحة أخرى ممالة وتسمى هذه إمالة لأجل إمالة ، وقد تمال الألف تشبيها بالألف الممالة ( قلت ) : وتمال أيضا بسبب كثرة الاستعمال وللفرق بين الاسم والحرف فتبع الأسباب اثني عشر سببا ، والله أعلم .

                                                          فأما الإمالة لأجل كسرة متقدمة فليعلم أنه لا يمكن أن تكون الكسرة

                                                          [ ص: 33 ] ملاصقة للألف إذ لا تثبت الألف إلا بعد فتحة فلا بد أن يحصل بين الكسرة المتقدمة والألف الممالة فاصل وأقله حرف واحد مفتوح نحو كتاب وحساب وهذا الفاصل إنما يحصل باعتبار الألف فأما الفتحة الممالة فلا فاصل بينها وبين الكسرة . والفتحة مبدأ الألف ومبدأ الشيء جزء منه فكأنه ليس بين الألف والكسرة حائل ، وقد يكون الفاصل بين الألف والكسرة حرفين بشرط أن يكون ، أولهما ساكنا ، أو يكونا مفتوحين والثاني هاء نحو إنسان ويضربها من أجل خفاء الهاء وكون الساكن حاجزا غير حصين فكأنهما في حكم المعدوم وكأنه لم يفصل بين الكسرة والألف إلا حرف واحد . وهذا يقتضي أن من أمال مررت بها كانت الكسرة عند الألف في الحكم . وإن فصلت الهاء في اللفظ . وأما إمالتهم درهمان فقيل من أجل الكسرة قبل ، ولم يعتد بالحرفين الفاصلين . والظاهر أنه من أجل الكسرة المتأخرة ، والله أعلم .

                                                          وأما الياء المتقدمة ، فقد تكون ملاصقة للألف الممالة نحو إمالة : أياما ، والحياة ومن ذلك قولهم : السيال ( بفتح السين ) وهو ضرب من الشجر له شوك وهي من العضاه ، وقد يفصل بينهما بحرف نحو : شيبان . وقد يفصل بحرفين أحدهما الهاء نحو : يدها . وقد يكون الفاصل غير ذلك نحو رأيت يدنا .

                                                          وأما الإمالة من أجل الكسرة بعد الألف الممالة نحو : عابد . وقد تكون الكسرة عارضة نحو من الناس ، وفي النار لأن حركة الإعراب غير لازمة ( وأما الإمالة لأجل الياء بعد الألف الممالة فنحو : مبايع )

                                                          وأما الإمالة لأجل الكسرة المقدرة في المحل الممال فنحو : خاف . أصله : خوف بكسر عين الكلمة وهي الواو فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها

                                                          [ ص: 34 ] وأما الإمالة لأجل الياء المقدرة في المحل الممال فنحو : يخشى ، و الهدى ، و أتى ، و الثرى تحركت الياء في ذلك وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وأما الإمالة لأجل كسرة تعرض في بعض أحوال الكلمة فنحو : طاب ، وجاء ، وشاء ، وزاد . لأن الفاء تكسر من ذلك إذا اتصل بها الضمير المرفوع من المتكلم والمخاطب ونون جماعة الإناث فتقول : طبت ، وجئت ، وشئت ، وزدت . وهذا قول سيبويه ويمكن أن يقال : إن الإمالة فيه ليست بسبب أن الألف منقلبة عن ياء ولكن إذا أطلقوا المنقلب عن ياء ، أو واو في هذا الباب فلا يريدون إلا المتطرف ، والله أعلم .

                                                          وأما الإمالة لأجل ياء تعرض في بعض الأحوال فنحو : تلا وغزا ، وذلك لأن الألف فيهما منقلبة عن واو التلاوة والغزو ، وإنما أميلت في لغة من أمالها لأنك تقول إذا بنيت الفعل للمفعول : تلي وغزي مع بقاء عدة الحروف كما كانت حين بنيت الفعل للفاعل وأما الإمالة لأجل الإمالة فنحو إمالة : ( تراء ) أمالوا الألف الأولى من أجل إمالة الألف الثانية المنقلبة عن الياء ، وقالوا : رأيت عمادا فأمالوا الألف المبدلة من التنوين لأجل إمالة الألف الأولى الممالة لأجل الكسرة وقيل في إمالة والضحى و القوى و ضحاها و تلاها إنها بسبب إمالة رءوس الآي قبل ، وبعد فكانت من الإمالة للإمالة . ومن ذلك إمالة قتيبة عن الكسائي الألف بعد النون من : إنا لله لإمالة الألف من الله ولم يمل وإنا إليه راجعون لعدم ذلك بعده وأما الإمالة لأجل الشبه فإمالة ألف التأنيث في نحو الحسنى وألف الإلحاق في نحو : أرطى ; في قول من قال : مأرط لشبه ألفيهما بألف الهدى المنقلبة عن الياء ويمكن أن يقال : بأن الألف تنقلب ياء في بعض الأحوال ، وذلك إذا ثنيت قلت : الحسنيان والأرطيان ، ويكون الشبه أيضا بالمشبه بالمنقلب عن الياء كإمالتهم : موسى وعيسى ، فإنه ألحق بألف التأنيث المشبهة بألف الهدى ، وأما الإمالة لأجل كثرة الاستعمال فكإمالتهم الحجاج علما لكثرته في

                                                          [ ص: 35 ] كلامهم ، ذكره سيبويه ، ومن ذلك إمالة الناس في الأحوال الثلاث رواه صاحب المبهج وهو موجود في لغتهم لكثرة دوره . ويمكن أن يقال : إن ألف الناس منقلبة عن ياء كما ذكره بعضهم . وأما الإمالة لأجل الفرق بين الاسم والحرف فقال : سيبويه ، وقالوا : باء وتاء في حروف المعجم يعني بالإمالة لأنها أسماء ما يلفظ به فليست مثل ما ولا ، وغيرها من الحروف المبنية على السكون ، وإنما جاءت كسائر الأسماء . انتهى . ( قلت ) : وبهذا السبب أميل ما أميل من حروف الهجاء في الفواتح ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية