الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر طاعة أهل صقلية للمقتدر وعودهم إلى طاعة المهدي العلوي

قد ذكرنا سنة سبع وتسعين ومائتين استعمال المهدي علي بن عمر على صقلية ، فلما وليها كان شيخا لينا ، فلم يرض أهل صقلية بسيرته ، فعزلوه عنهم ، وولوا على أنفسهم أحمد بن قرهب ، فلما ولي سير سرية إلى أرض قلورية ، فغنموا منها ، وأسروا من الروم وعادوا .

وأرسل سنة ثلاثمائة ابنه عليا إلى قلعة طبرمين المحدثة في جيش ، وأمره بحصرها ، وكان غرضه إذا ملكها أن يجعل بها ولده وأمواله وعبيده ، فإذا رأى منأهل صقلية ما يكره امتنع بها ، فحصرها ( ابنه ستة ) أشهر ، ثم اختلف العسكر عليه ، وكرهوا المقام ، فأحرقوا خيمته ، وسواد العسكر ، وأرادوا قتله ، فمنعهم العرب .

[ ص: 620 ] ودعا أحمد بن قرهب الناس إلى طاعة المقتدر ، فأجابوه إلى ذلك ، فخطب له بصقلية ، وقطع خطبة المهدي ، وأخرج ابن قرهب جيشا في البحر إلى ساحل إفريقية ، فلقوا هناك أسطول المهدي ومقدمه الحسن بن أبي خنزير ، فأحرقوا الأسطول ، وقتلوا الحسن ، وحملوا رأسه إلى ابن قرهب ، وسار الأسطول الصقلي إلى مدينة سفاقس ، فخربوها ، وساروا إلى طرابلس ، فوجدوا فيها القائم بن المهدي ، فعادوا .

ووصلت الخلع السود والألوية إلى ابن قرهب من المقتدر ، ثم أخرج مراكب فيها جيش إلى قلورية ، فغنم جيشه ، وخربوا وعادوا ، وسير أيضا أسطولا إلى إفريقية ، فخرج عليه أسطول المهدي ، فظفروا بالذي لابن قرهب وأخذوه ، ولم يستقم بعد ذلك لابن قرهب حال ، وأدبر أمره ، وطمع فيه الناس ، وكانوا يخافونه .

وخاف منه أهل جرجنت ، وعصوا أمره ، وكاتبوا المهدي ، فلما رأى ذلك أهل البلاد كاتبوا المهدي أيضا ، وكرهوا الفتنة ، وثاروا بابن قرهب ، وأخذوه أسيرا سنة ثلاثمائة وحبسوه ، وأرسلوه إلى المهدي مع جماعة من خاصته ، فأمر بقتلهم على قبر ابن خنزير ، فقتلوا ، واستعمل على صقلية أبا سعيد موسى بن أحمد ، وسير معه جماعة كثيرة من شيوخ كتامة ، فوصلوا إلى طرابنش .

وسبب إرسال العسكر معه أن ابن قرهب كان قد كتب إلى المهدي يقول له : إن أهل صقلية يكثرون الشغب على أمرائهم ، ولا يطيعونهم ، وينهبون أموالهم ، ولا يزول ذلك إلا بعسكر يقهرهم ويزيل الرئاسة عن رؤسائهم ، ففعل المهدي ذلك ، فلما وصل معه العسكر خاف منه أهل صقلية ، فاجتمع عليه أهل جرجنت وأهل المدينة وغيرها ، فتحصن منهم أبو سعيد وعمل على نفسه سورا إلى البحر ، وصار المرسى معه [ ص: 121 ] فاقتتلوا ، فانهزم أهل صقلية ، وقتل جماعة من رؤسائهم ، ( وأسر جماعة ) وطلب أهل المدينة الأمان ، فأمنهم إلا رجلين هما أثارا الفتنة ، فرضوا بذلك وتسلم الرجلين ، وسيرهما إلى المهدي بإفريقية ، وتسلم المدينة ، وهدم أبوابها ، وأتاه كتاب المهدي يأمره بالعفو عن العامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية