الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الرابع : فيما تحصل به الفيأة ، وهو تغيب الحشفة في القبل خاصة ، فلو استدخلت ذكره ، لم تنحل يمينه .

                                                                                                                                                                        فلو وطئ بعده ، لزمته الكفارة . وهل تحصل به الفيأة ويرتفع حكم الإيلاء ؟ وجهان ، أصحهما : نعم ، وبه قطع كثيرون ، ولو وطئها مكرها ، ففي وجوب الكفارة القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسيا أو مكرها . فإن أوجبناها ، انحلت اليمين وارتفع الإيلاء ، وإلا ففي انحلال اليمين وجهان يجريان في كل يمين وجد المحلوف عليه بإكراه أو نسيان ، أصحهما : عدم الانحلال ، وهو الأوفق لكلام الأئمة ، وبه قطع الشيخ أبو حامد ، والقاضي أبو الطيب ، لاختلال الفعل .

                                                                                                                                                                        فإن حكمنا بالانحلال ، حصلت الفيأة وارتفع الإيلاء ، وإلا فوجهان ، أصحهما : كذلك ، وبه أجاب البغوي وغيره . والمسألة مفرعة على أنه يتصور إكراهه على الوطء وهو الراجح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو وطئها المؤلي في المدة أو بعدها وهو مجنون ، فطريقان . قطع العراقيون [ ص: 258 ] بأنه لا يحنث ، ولا تنحل اليمين ، ولا كفارة ، والثاني ، وبه قطع المتولي والبغوي : أن في وجوب الكفارة قولين كالناسي ، لأن المجنون ملحق بالمخطئ في كفارة القتل ، فكذا كفارة اليمين ، فعلى هذا إن أوجبنا الكفارة ، انحلت اليمين ، وإلا فعلى الوجهين في المكره ، فكيف كان ، فالمذهب أنه لا يحنث ، ولا تجب الكفارة ، ولا تنحل اليمين ، وهل يسقط حقها من الفيأة بالوطء في الجنون ؟ وجهان . أحدهما : لا ، بل تطالبه بعد الإفاقة من غير استئناف مدة ، وقيل : لا بد من استئنافها بعد الإفاقة ، وأصحهما : نعم ، لأنها وصلت إلى حقها ، كما لو رد المجنون الوديعة إلى صاحبها ، ولأن وطء المجنون كوطء العاقل في تقرير المهر والتحليل ، وتحريم الربيبة وسائر الأحكام .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو آلى من إحدى امرأتيه بعينها ، ووطئها وهو يظنها الأخرى ، قال البغوي : يخرج عن الإيلاء ، وفي الكفارة القولان في الناسي .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        سبق في فصل التعنين ، أن الزوجين إذا اختلفا في الوطء ، فالقول قول النافي إلا في مواضع . أحدها : إذا ادعى العنين الوطء بعد المدة أو فيها . الثاني : إذا ادعى مثل ذلك في الإيلاء ، فالقول قوله في الموضعين ، فإذا حلف ثم طلقها وقال : هذا طلاق رجعي

                                                                                                                                                                        [ فلي الرجعة ] وهي على إنكار الوطء والعدة ، قال ابن الحداد والجمهور : القول قولها ، ولا يمكن من الرجعة عملا بقياس الخصومات ، وإنما قبلنا قوله في الوطء للضرورة ، وتعذر البينة . وقيل : له الرجعة .

                                                                                                                                                                        الموضع الثالث : طلق زوجته وولدت ولدا يلحقه ظاهرا ، وقالت : وطئتني فلي كل المهر ، فقال : لم أطأ ، فلك نصفه ، فالمذهب والمنصوص في رواية المزني وغيره ، [ ص: 259 ] أن القول قولها بيمينها . ونقل الربيع قولا آخر ، أن القول قوله بيمينه ، فقيل : قولان ، وقيل : بالأول قطعا ، ورواية الربيع من كيسه ، وقيل : إن اختلفا قبل ظهور الولد وحكمنا بالنصف ، لم يعتبر الحكم بالولد ، وإن اختلفا بعد ظهوره ومات الزوج ، أوجبنا جميع المهر ولا يقبل قول الورثة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اختلفا في أصل الإيلاء وفي انقضاء مدته ، فهو المصدق بيمينه ، ولو اعترفت بالوطء بعد المدة وأنكر ، فلا مطالبة لها ، فلو رجعت وقالت : لم يطأني ، لم يسمع قولها ، لأنها أقرت بوصول حقها إليها ، فلا يقبل رجوعها ، ذكره المتولي .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        قال : والله لا أجامعك ، ثم أعاد ذلك مرتين فأكثر ، نظر ، إن أطلق في المرتين ، أو قيد بمدة واحدة كسنة وسنة ، فإن قال : أردت بالثاني تأكيد الأول ، قبل ، وكانت اليمين واحدة ، سواء اتحد المجلس أم تعدد ، طال الفصل أم لا ، وفي وجه ضعيف : إذا طال الفصل ، لا يقبل ، ويكون يمينا أخرى ، ويجري هذا الخلاف فيما لو كرر تعليق الطلاق بصفة ، والصحيح قبول التأكيد أيضا . وإن قال : أردت الاستئناف ، فهما يمينان ، وإن أطلق ، فهل يحمل على التأكيد ، أم الاستئناف ؟ قولان . قال المتولي : إن اتحد المجلس ، فالأظهر يحمل على التأكيد ، وإن تعدد ، فعلى الاستئناف لبعد التأكيد مع اختلاف المجلس . وإن اختلفت المدة المقيد بها ، كقوله : والله لا أجامعك خمسة أشهر ، ثم قال : والله لا أجامعك سنة ، فالأصح أنه كاتحادها . وقيل : يمينان بكل حال ، فإذا لم نحكم بالتعدد ، لم يجب الوطء إلا كفارة ، وإذا حكمنا بالتعدد ، تخلص بالطلاق عن الأيمان كلها ، وتنحل اليمين بوطأة واحدة ، وفي تعدد الكفارة قولان . أظهرهما عند الجمهور : لا يجب إلا كفارة واحدة ، والثاني ، تتعدد بتعدد الأيمان ، وقيل : تتحد قطعا ، وقيل : تتعدد قطعا . [ ص: 260 ] فصل

                                                                                                                                                                        آلى من زوجته الرقيقة ، ثم ملكها ، ثم باعها أو أعتقها ، ثم نكحها ، ففي عود الإيلاء الخلاف في عود الحنث ، وكذا لو آلى عبد من زوجته ثم ملكته وأعتقته ونكحته ، فعلى الخلاف . وهل الخلاف العائد كالبينونة بالثلاث أم بما دونها ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في فتاوى البغوي ، أن القاضي إذا طالب المؤلي بالفيأة أو الطلاق فامتنع منهما ، وطلبت المرأة من القاضي أن يطلق عليه ، لم يشترط حضوره في تطليق القاضي . ولو شهد عدلان أن زيدا آلى ، ومضت المدة وهو ممتنع من الفيأة أو الطلاق ، لم يطلق عليه ، بل لا بد من الامتناع بين يديه ، كما في العضل ، فلو تعذر إحضاره بتمرد أو توار أو غيبة ، حكم عليه بالعضل بشهادة الشهود ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية