الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : ولو قال : إن فعلت كذا فعلي هدي ففعله كان عليه ما استيسر من الهدي شاة ; لأن اسم الهدي عند الإطلاق يتناول الإبل والبقر والغنم فإن هذه الحيوانات يتقرب بإراقة دمها إلا أن عند الإطلاق يلزمه المتيقن وهو الشاة ، فإن نوى الإبل أو البقر كان عليه ما نوى ; لأنه شدد الأمر على نفسه في نيته ونوى التعظيم فيما التزمه من الهدي فيلزمه ما نوى ولا يذبحها إلا بمكة لتصريحه بالهدي ، فإن كان قال : علي بدنة ، فإن كان نوى شيئا من البدن بعينه فعليه ما نوى ; لأن المنوي إذا كان من محتملات كلامه فهو كالمصرح به ، وإن لم يكن له نية فعليه بقرة أو جزور ; لأن اسم البدنة مشتق من البدانة وهي الضخامة والعظم ، وذلك لا يتناول الشاة ، وإنما يتناول البقرة والجزور هكذا نقل عن علي وابن عباس رضي الله عنهما . وعن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أن لفظة البدنة لا تتناول إلا الجزور فإن سائلا سأل [ ص: 137 ] ابن مسعود رضي الله عنه أن صاحبا لنا أوجب بدنة أفتجزي البقرة ، فقال : مم صاحبكم ، فقال : من بني رباح ، فقال : ومتى اقتنت بنو رباح البقر ، وإنما وهم صاحبكم الإبل ثم إن كان نوى أن ينحرها بمكة فليس له أن ينحرها إلا بمكة كما نوى لأن المنوي كالمصرح به ، وإن كان لم يكن له نية نحرها حيث شاء في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى : لا يجزئه إلا أن ينحرها بمكة وجه قوله أنه التزم التقرب بإراقة الدم ، وإراقة الدم لا تكون قربة إلا في مكان مخصوص أو زمان مخصوص ، وإذا لم يختص هنا بالزمان يختص بالمكان وهو الحرم كما لو أوجبه بلفظة الهدي وهما قالا : كما لا يختص بالزمان ; لأنه ليس في لفظه ما يدل عليه فكذلك لا يختص بالمكان ; لأنه ليس في لفظة البدنة ما يدل عليه بخلاف لفظة الهدي ، وإذا لم يكن في لفظه ما يدل على مكان أو زمان عرفنا أن مراده التزام التقرب والتصدق باللحم ، وذلك يحصل في أي موضع نحر ، وهو قياس ما لو قال : لله علي جزور كان له أن ينحر في أي مكان شاء ، ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى يفرق بينهما فيقول : لا عادة في استعمال لفظة الجزور في معنى الهدي بخلاف لفظة البدنة ، ألا ترى أن اسم البدنة لا ينطلق إلا على ما هو معد للقربة كاسم الهدي بخلاف اسم الجزور ولمعنى القربة جعلنا اسم البدنة متناولا للبقرة والجزور جميعا ; لأن كل واحد منهما يجزي في الهدايا والضحايا عن سبعة فعرفنا أن معنى التقرب بإراقة الدم معتبر في لفظة البدنة كما هو معتبر في لفظة الهدي فكان مختصا بالحرم

التالي السابق


الخدمات العلمية